قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

إمكان النَّسخ

 

السيد أبو القاسم الخوئي
المعروف بين العقلاء من المسلمين وغيرهم هو جواز النسخ بالمعنى المتنازع فيه "رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء" وخالف في ذلك اليهود والنصارى فادعوا استحالة النسخ، واستندوا في ذلك إلى شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت.
وملخص هذه الشبهة أنَّ النَّسخ يستلزم عدم حكمة الناسخ، أو جهله بوجه الحكمة، وكلا هذين اللازمين مستحيل في حقه تعالى، وذلك لأن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لابد وأن يكون على طبق مصلحة تقتضيه، لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله، وعلى ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه إما أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها، وهذا ينافي حكمة الجاعل مع أنه حكيم مطلق، وإما أن يكون من جهة البداء، وكشف الخلاف على ما هو الغالب في الأحكام والقوانين العرفية، وهو يستلزم الجهل منه تعالى.


وعلى ذلك فيكون وقوع النسخ في الشريعة محالًا لأنَّه يستلزم المحال.
والجواب: إنَّ الحكم المجعول من قبل الحكيم قد لا يراد منه البعث، أو الزجر الحقيقيين كالأوامر التي يقصد بها الامتحان، وهذا النوع من الأحكام يمكن إثباته أولًا ثم رفعه، ولا مانع من ذلك، فإن كلاًّ من الإثبات والرفع في وقته قد نشأ عن مصلحة وحكمة، وهذا النسخ لا يلزم منه خلاف الحكمة، ولا ينشأ من البداء الذي يستحيل في حقه تعالى، وقد يكون الحكم المجعول حكمًا حقيقيًّا، ومع ذلك ينسخ بعد زمان، لا بمعنى أن الحكم بعد ثبوته يرفع في الواقع ونفس الأمر، كي يكون مستحيلًا على الحكيم العالم بالواقعيات، بل هو بمعنى أن يكون الحكم المجعول مقيدًا بزمان خاص معلوم عند الله، مجهول عند الناس، ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان، لانتهاء أمده الذي قيد به، وحلول غايته الواقعية التي أنيط بها.
والنسخ بهذا المعنى ممكن قطعًا، بداهة: أن دخل خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام مما لا يشك فيه عاقل، فإن يوم السبت - مثلًا - في شريعة موسى عليه السلام قد اشتمل على خصوصية تقتضي جعله عيدًا لأهل تلك الشريعة دون بقية الأيام، ومثله يوم الجمعة في الإسلام، وهكذا الحال في أوقات الصلاة والصيام والحج، وإذا تصورنا وقوع مثل هذا في الشرايع فلنتصور أن تكون للزمان خصوصية من جهة استمرار الحكم وعدم استمراره، فيكون الفعل ذا مصلحة في مدة معينة، ثم لا تترتب عليه تلك المصلحة بعد انتهاء تلك المدة، وقد يكون الأمر بالعكس.


وجملة القول: إذا كان من الممكن أن يكون للساعة المعينة، أو اليوم المعين أو الأسبوع المعين، أو الشهر المعين تأثير في مصلحة الفعل أو مفسدته أمكن دخل السنة في ذلك أيضًا، فيكون الفعل مشتملًا على مصلحة في سنين معينة، ثم لا تترتب عليه تلك المصلحة بعد انتهاء تلك السنين، وكما يمكن أن يقيد إطلاق الحكم من غير جهة الزمان بدليل منفصل، فكذلك يمكن أن يقيد إطلاقه من جهة الزمان أيضًا بدليل منفصل، فإن المصلحة قد تقتضي بيان الحكم على جهة العموم أو الإطلاق، مع أن المراد الواقعي هو الخاص أو المقيد، ويكون بيان التخصيص أو التقييد بدليل منفصل.
فالنسخ في الحقيقة تقييد لإطلاق الحكم من حيث الزمان ولا تلزم منه مخالفة الحكمة ولا البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى، وهذا كله بناء على أن جعل الأحكام وتشريعها مسبب عن مصالح أو مفاسد تكون في نفس العمل.
وأما على مذهب من يرى تبعية الأحكام لمصالح في الأحكام أنفسها فإن الأمر أوضح، لأن الحكم الحقيقي على هذا الرأي يكون شأنه شأن الأحكام الامتحانية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد