قرآنيات

المَنْسَك

 

نسك: قوله تعالى: ﴿..مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ..﴾ الحج:67، أي مذهباً يلزمهم العمل به.
والمنسَك والمنسِك فتحاً وكسراً: الموضع الذي يُذبح فيه.
وقرئ بهما في قوله تعالى: ﴿مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾، والمنسَك بالفتح يكون زماناً، ومصدراً، ومكاناً.
ونسَك ينسُك من باب قتل: تطوّع بقربة.
والنُسُك بضمّتين اسم منه. ومنه قوله تعالى: ﴿..إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي..﴾ الأنعام:162.
قوله: ﴿..وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا..﴾ البقرة:128، أي متعبّداتنا، واحدها منسَك وأصله الذبح.
يقال نسَكْتُ أي ذبحت.
والنسيكة هي الذبيحة المتقرَّب بها إلى الله تعالى.
ثمّ اتّسعوا فيه حتّى جعلوه لموضع العبادة والطاعة.
ومنه قيل للعابد ناسك.
قوله: ﴿..فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ..﴾ البقرة:196، فُسّر النسك بالشاة، والصيام بثلاثة أيام، والصدقة بإطعام ستّة مساكين.
وكأنّ المراد بالفدية فدية حلق الرأس.
ويقال الأصل في النسك: التطهير.
يقال نسكت الثوب أي غسلته وطهّرته.
واستُعمل في العبادة.
وقد اختُصّ بأفعال الحجّ.
ومنه: «إذا فرغتَ من نسكك فارجع فإنّه أشوق لك إلى الرجوع».
قوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ..﴾ البقرة:200، أي الأفعال الحَجّية.
ومناسك الحج: عباداته.
وقيل مواضع العبادات.

ــــــــــــ
(مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج 5، ص 295)
الأصل الواحد في المادّة: هو عمل مقرّر في برنامج العبادة للَّه عزّ وجلّ وبهذا المنظور. ومن مصاديقه: الذبيحة الَّتى يُتقرّب بها إلى اللَّه تعالى.
وتطوّع في اللَّه بعمل. والعبادات التي تقرّر في برنامج الحجّ. وغيرها.
وهذا الأصل مرتبط بالمفهوم العبريّ: فإنّ الكسب في غرض دينيّ عبارة أخرى عن التقرير والتقدير في عمل عباديّ.
وأمّا الفرق بين النسك، والعبادة، والطاعة، والزهد، والقرب:
فالعبادة: غاية التذلَّل في مقابل المولى مع الإطاعة.
والإطاعة: عمل بما يقتضيه الأمر مع رغبة وخضوع.
والزهد: رغبة وميل شديد إلى الترك.
والقرب: في قبال البعد، تقرّب مطلق في أىّ جهة.
والنسك: عمل مقرّر في جهة الطاعة والعبوديّة للَّه تعالى.
فتفسير المنسك بالعبادة، والتطوّع، والتقرّب، والتزهّد: تقريبيّ.
وبهذه الخصوصيّات يظهر لطف التعبير بها في مواردها.
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوه..﴾ الحج:67. ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ..﴾ الحج:34. ﴿فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ..﴾ البقرة:200.
المنسَك: مصدر ميميّ بفتح السين، بمعنى العمل المقرّر في برنامج ديني إلهيّ، والجمع المناسك. وليس باسم مكان، فانّ مكان النسك والعبادة انّما يتعيّن ويقرّر من جانب الأمم، كالمساجد والصوامع والبيَع وغيرها. وأمّا الأعمال المخصوصة في مقام العبوديّة والوظائف اللازمة: فلا بدّ أن تكون مقررّة من جانب اللَّه تعالى، وليس للعبد التقرير وتعيين خصوصيّات العبادة والطاعة على ما ينبغي.
ولا يخفى أنّ نتيجة التنسّك حصول حالة التذكَّر والتوجّه الباطنيّ إلى اللَّه المتعال، وتحقّق العبوديّة والتذلَّل، وترك التعلَّقات الدنيويّة. كما قال اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56. ﴿رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا..﴾ البقرة:128. هذا دعاء من إبراهيم وإسماعيل بعد رفع قواعد البيت، وكما سألا إسلام ذرّيّتهما والتوبة عليهم سألا إراءة المناسك والأعمال المقرّرة في برنامج الحجّ وغيره.
فهذا يدلّ على لزوم إراءة المناسك من جانب اللَّه عزّ وجلّ، وإن كان الناسك نبيّاً مرسلاً ومن المقرّبين، فإنّ برنامج السلوك والعبوديّة لازم أن يتعيّن من جانب اللَّه تعالى، وأن يكون على ما يحبّ ويرضى. وأن يقرّر على خصوصيّة يناسب مقامه وشأنه.
ـــــــ
(التحقيق في كلمات القرآن الكريم، الشيخ حسن المصطفوي، ج 12، ص 106- 107)

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد