قرآنيات

اليسر (مع) و(بعد) العسر

 

الشيخ مرتضى علي الباشا
قال الله تعالى ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [الطلاق : 7]
هنا نلاحظ: (سيجعل الله بعد عسر يسرًا) فاليسر ليس موجودًا حاليًّا، ولم يعط الله تعالى وعدًا أو إخبارًا بأن (كل) عسر فبعده يأتي يسر. 
أما في سورة الشرح فقال تعالى ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [5] إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾6]) سورة الشرح. هنا نلاحظ الإخبار الفعلي بأن اليسر مع العسر، والتأكيد بـ (إنّ) وتكرار الجملة. والظاهر أن (العسر) هنا يقصد به (طبيعة العسر) أو (جميع أفراد العسر). فالعسر بطبيعته مقترن باليسر، أو (جميع أفراد العسر) مقترنة باليسر. 

ومن الطبيعي أن يتساءل الناس، كيف يكون اليسر مقترناً بالعسر؟ وانقسم المفسرون إلى عدة آراء، أهمها ما يلي:
الرأي الأول: كلمة (مع) هنا يقصد بها الاقتران والتلازم في الوجود، بدون أن يتحققا في وقت وزمان واحد معًا، فبعد كلّ عُسر تجد يُسراً، وبعد كلّ ظلام ينبثق النور. 
ولكن يبقى السؤال التالي: لقد رأينا كثيرًا من الناس يلازمهم العسر حتى الممات، ولا يتفق هذا مع ظاهر الآية، فما هو الجواب؟ 
أجاب الشيخ محمد جواد مغنية – رحمه الله- بأن الحكم في الآية مبني على الأعم الأغلب، لا على العموم والشمول. [المصدر: تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 582]

الرأي الثاني: 
من جهة أخرى: لو دقق الإنسان في العسر الذي يمرّ به فسيرى أمورًا من خلالها يمكنه تجاوز الصعاب، والوصول إلى ساحل الأمان، فأسباب المشاكل والصعاب ليست منفصلة وبعيدة عنا، وكذلك سبل العلاج والحلول تجدها بين ثنايا المشكلة نفسها. فلو أمعنت النظر في المشكلة (العسر) ستجد الحلّ وطريق الخلاص (اليسر). 

الرأي الثالث: اليسر هو الوجه المخفي الكامن في العسر، ولا نراه نحن غالبًا.
فالمرض – مثلاً- له وجهان، وجه أنه عسر وابتلاء، ووجه بأنه يذكرنا بالله تعالى وبنعمة العافية والاستعداد للموت. 
والغربة لها وجهان، وجه العسر وهو الابتعاد عن الوطن والأهل، ووجه اليسر وهو التمكن من إكمال مشوار الدراسة أو الحصول على فرصة عمل مناسبة وما شابه. 
وموت الأحبة له وجهان، وجه العسر وهو فقدان الحبيب والعزيز، ووجه اليسر وهو راحة الحبيب من آلام المرض والهرم. 
وهكذا لو دققنا النظر في كل عسر، سنجد في باطنه يسرًا.
ولهذا قالت السيدة زينب – عليها السلام- (ما رأيت إلا جميلاً).

أما تكرار ﴿إن مع العسر يسرًا﴾ فقد اختلفوا فيه على رأيين:
الرأي الأول: أن التكرار لتأكيد القضية في النفوس وتمكينها من القلوب، لأنها موضع الشك والريب عند أكثر الناس أو الكثير منهم. 
الرأي الثاني: أن اليسر الثاني يختلف عن اليسر الأول، فالعسر الواحد مقترن بيسرين اثنين. وفي الرواية : خرج النبي صلّى الله عليه وآله مسرورًا فرحًا وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾
والنتيجة:
أما (اليسر) الذي يعقب (العسر)، فلم يعد القرآن به في كل الحالات أو لكل الناس، فلاحظ الآية في سورة الطلاق. 
وأما (اليسر) الذي هو الوجه الثاني للعسر، فهو موجود دائمًا في كل عسر، فلاحظ سورة الشرح. ولكن يبقى هل يدرك الإنسان ذلك اليسر المختفي تحت غطاء العسر، وهل يستطيع الاستفادة منه وتحويل الغصة إلى فرصة؟!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد