قرآنيات

السعي لتحكيم القرآن في المجتمع

 

الإمام الخامنئي "دام ظله"
إذا ما نظرنا إلى مجمل المعارف القرآنيّة، سنكتشف أنّ الإسلام يريد من المسلمين أن يُقيموا النظام الإسلاميّ الكامل. الإسلام يُطالب بالتطبيق الكامل للدين الإسلاميّ، هذا ما يشعر به الإنسان عمومًا.
لا يرضى الإسلام بالحدّ الأدنى من الدين؛ لا يوجد في معارفنا شيء باسم دين الحدّ الأدنى؛ وقد ذمّ القرآن الكريم في عدّة موارد الأخذ ببعض التعاليم الدينيّة دون بعض؛ ﴿ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلقُرءَانَ عِضِينَ﴾  أو الآية الكريمة. ﴿وَيَقُولُونَ نُؤمِنُ بِبَعض وَنَكفُرُ بِبَعض﴾ ، التي تذكر المنافقين وتُشير إلى هذا الموضوع.
حتّى تلك الأمور التي تحظى بأهميّة بالغة على المستوى الدينيّ - كإقامة القسط - لا يُمكن الاستغناء بها عمّا سواها، بحيث يشعر الإنسان بالرضا، ويعتبر أنّ عمله على إقامة القسط واتّجاهه نحو تحقيق ذلك يُساوي تحقّق الإسلام؛ كلّا، ليس الأمر كذلك. 
نعم، أهمّيّة إقامة القسط في المجتمع أمر ثابت وقطعيّ. إنّ المستفاد بدوًا من الآية الشريفة في سورة الحديد: ﴿لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِٱلبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلقِسطِ﴾ ، أنّ الهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب والمعارف الإلهيّة هو إقامة القسط، فجملة "ليقوم الناس بالقسط" سواء أكان المعنى "ليقيم الناس القسط" في ما لو اعتبرنا "الباء" "باء التعدية"؛ أي إنّ الناس مكلّفون بإقامة القسط في محيطهم، أو كانت "باء التسبيب"، فيكون المعنى: ليقوم الناس بسبب القسط، أي أن نعامل الناس بالقسط، فكلا المعنيين، وكذلك سائر المعاني المحتملة الأخرى، توضح أهمّيّة إقامة القسط في المجتمع، لكنّ هذا لا يعني أنّ اقتصارنا على إقامة القسط وصرف كامل همّتنا في سبيل ذلك - حتّى مع إهمال الأحكام الأخرى للإسلام - أمر يرضاه الشارع المقدّس.
كلّا! جاء في الآية الشريفة: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّهُم فِي ٱلأَرضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلمَعرُوفِ وَنَهَواْ عَنِ ٱلمُنكَرِ﴾ ؛ أي إنّ الله تعالى يريد من المتمكّنين في الأرض أمورًا، أوّلها: ﴿أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾، ثمّ ﴿وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلمَعرُوفِ وَنَهَواْ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ﴾؛ فالأمر ليس على نحو يعفينا حال الاهتمام بالقسط من إقامة الصلاة والاهتمام بالصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُبيح لنا الغفلة عنها، بل إنّ قوله تعالى: ﴿أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجتَنِبُواْ ٱلطَّغُوتَ﴾  - وقد تكرّر هذا اللفظ وهذا المضمون عدّة مرّات في القرآن الكريم - يُشير إلى أنّ الله تعالى قد أرسل الرسل لأجل التوحيد، لأجل اجتناب الطاغوت، لأجل عبادة الله، هذا هو أصل المسألة.
كذلك ما أوصى به الله تعالى - في الآية الشريفة من سورة الشورى - نوحًا، وأوصى به إبراهيم، وأوصى به موسى عليهم السلام: 
﴿ أَن أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ﴾ ، يُبيّن أنّ الأهمّيّة هي لإقامة الدين، أي لا بدّ من إقامة الدين كلّه: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلمُشرِكِينَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ ٱللَّهُ يَجتَبِي إِلَيهِ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي إِلَيهِ مَن يُنِيبُ﴾، فالحديث عن الدين كلّه، بكلّ أجزائه وأركانه. والمعارض الأصليّ لهذا التوجّه وهذا النهج - أي إقامة الدين بتمامه، بجميع أجزائه، هم العتاة والمستكبرون في العالم؛ ﴿كَبُرَ عَلَى ٱلمُشرِكِينَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ﴾ .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد