قرآنيات

أممية القرآن لجميع الشعوب والأمم (1)

السيد رياض الحكيم

 

وهذا البحث يرتبط إلى حدٍّ كبير بأممية الإسلام، فإذا تم إثبات ذلك فنعطف على ذلك دور القرآن وأهميته في الإسلام باعتباره الثقل الأكبر، ليتضح حينئذ أن القرآن كتاب لهداية البشر ولا يختص بقوم أو أمة معيّنة.

 

أُممية الإسلام

لا شك في أممية الإسلام وتصدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) من بعده لهداية جميع البشر من دون خصوصية لقوم دون غيرهم، ونحاول هنا بحث الموضوع وتسليط الضوء على نقطتين:

 

الأولى: في توجيه أممية الأديان.

ونشير هنا الى زاويتين..

أ ـ نظرياً: نقول، لا مانع من شمولية الدين، لأنّ الدين يفترض اعتماده على ركنين أساسيين هما أصول العقيدة والتشريع المرتبط بالممارسة أو السلوك.

أمّا أصول العقيدة فهي حقيقة ثابتة لا تختلف باختلاف الشعوب، وأمّا الجانب التشريعي فيفترض في الدين اشتماله على تعاليم إرشادات أخلاقية سامية وتشريعات عملية عامة، تسهم في إصلاح الفرد والمجتمع وسعادته في الدنيا والآخرة، فلا تختص بشعب دون آخر.

ب ـ بحسب الواقع الموضوعي أيضاً لا موجب لاختصاص الدين بفئة أو شعب خاص، ويكفي شاهداً على إمكانية انتشار الدين الواحد بين الشعوب المختلفة، هو انتشار الدين المسيحي والدين الإسلامي بين الأعداد الهائلة من الشعوب شرقاً وغرباً، رغم تباين الظروف وتنوع الثقافات.

 

الثانية: هل الإسلام دين أممي؟

ونتحدث حول هذه النقطة في أمرين..

(الأمر الأول): الشبهات والاعتراضات الموجّهة على ذلك، وأهمّها ظواهر بعض الآيات، منها:

1) قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد) (1).

وجه الشبهة أن الآية فرضت أن لكل قوم هادياً، فكيف نفرض الرسول هادياً لجميع البشر؟

والجواب عنها من وجوه..

أ ـ إنّ هذا التفسير للآية الكريمة تفسير ساذج لا يلتئم مع افتراض انسجام الرد مع قولهم المردود، فإنّ هذا الرد ـ على هذا التفسير ـ لا ينسجم مع طبيعة طلبهم وموقفهم، فأيّ ارتباط بين طلبهم نزول الآية وبين هذا الردّ؟!

ويمكن أن تستظهر من الآية وجوه أخرى للتفسير.

منها: إن المقصود بالهادي ليس هو شخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّما القرآن الكريم أو نحوه من شواهد الرسالة، ويكون المعنى أن الله تعالى جعل لكل أمّة ما يناسبها من الآيات الهادية لهم، ويشهد لهذا المعنى تعدد نسبة الهداية للقرآن الكريم ونحوه مثل (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (2)، (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربّك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) (3)، (إنّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق) (4)، (إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنّا به) (5) وغيرها...

 

وهذا التفسير يوفّر الانسجام بين مقدّمة الآية وتكملتها، فإنّهم لما طلبوا الآية المعينة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، توجّه الرد عليهم بأن الله ينزل مع كل رسول الآية التي تنسجم مع محيطه أو طبيعة رسالته. قال الزجاج: "طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أنّ لكل قوم هادياً"(6).

ومنها: ما حكاه الرازي عن ابن عباس: وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يده على صدره فقال: "أنا المنذر" ثم أومأ إلى منكب علي (رضي الله عنه)، وقال: "أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي"(7). وقريب منه ما رواه الحسكاني.

وهذا قريب من الوجه السابق، ومرجعه أن الهادي هو الذي يربط الناس بالرسالة سواء كان الحجة الناطقة أم الصامتة كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي".

ب ـ إن هذا التفسير مبني على تفسير (القوم) بالذين تجمعهم قومية واحدة بالمفهوم المعاصر، وهو بعيد عن المعنى اللغوي، قال الخليل في كتاب العين: قومُ كلّ رجل شيعتهُ وعشيرتهُ، وقال في عشيرك: الذي يعاشرك، أمركما واحد.. وسميت عشيرة الرجل لمعاشرة بعضهم بعضاً(8).

والاستعمال القرآني الشائع للقوم جاء بهذا المعنى (والله لا يهدي القوم الظالمين) (9)، (والله لا يهدي القوم الكافرين) (10)، (والله لا يهدي القوم الفاسقين) (11)، والمقابلة بين القوم الظالمين ونحوهم والقوم المؤمنين التي يؤكدها القرآن خير شاهد على هذا المعنى باعتبار أن الايمان يجمع المؤمنين والكفر والفسق يجمع الآخرين، مع أن من الطرفين من تجمعهم قومية واحدة، وعلى هذا فالقوم في الآية هم المسلمون المهتدون به من أي عرق أو قومية كانوا وفي كل العصور، فيكون (القوم) بمعنى الأُمّة في قوله تعالى: (إنّ هذه أُمّتكم أمّة واحدةً وأنا ربّكم فاعبدون) (12).

 

ج ـ إن هذه الآية نزلت في المدينة ـ قيل بالإجماع ـ مما يؤكد أن (القوم) لا يقصد به قريش أو أهل مكة بالخصوص، كما أن إرادة خصوص العرب ترفضه الشواهد التاريخية التي تؤكد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يتعامل بهذا المنظار، فلم يكن يفرّق بين الروم وعرب الشام، ولا الفرس وعرب العراق، بحيث لم يفهم أحد آنذاك تميّز العرب بالدعوة، خاصةً أن الأفكار القومية لم تكن معروفة آنذاك.

د ـ إنّ وجود العديد من الصحابة غير العرب مثل سلمان الفارسي وبلال وصهيب وغيرهم ينفي هذا التمييز، خاصةً سلمان الذي كان مسيحياً موحّداً، فلو لم يكن الإسلام ديناً أُمميّاً لم يكن هناك موجب لاعتناقه له.

هـ ـ إرسال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) الرسل إلى الملوك غير العرب ينافي هذا الفهم ـ كما سيأتي الحديث عنه ـ.

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الرعد: 7.

(2) سورة الإسراء: 9.

(3) سورة سبأ: 6.

(4) سورة الاحقاف:30.

(5) سورة الجن: 1ـ2.

(6) مجمع البيان: 5/427.

(7) التفسير الكبير: 10/14.

(8) ترتيب كتاب العين: 545، 693.

(9) سورة الصف: 7.

(10) سورة البقرة: 264.

(11) سورة المائدة: 108.

(12) سورة الانبياء: 92.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد