قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

ما هو المقصود من الأقربيّة؟

إنّ قوله سبحانه: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( ق / 16 ) تقريب للمقصود بجملة ساذجة تفهمه العامّة « والوريد » هو مطلق العرْق أو عبارة عن العرق الموجود في العنق ، حيث أنّ حياة الإنسان قائمة به ، فلو قطعنا النّظر عن ظاهر الآية فأمر قربه سبحانه إلى الإنسان أعظم من ذلك ، ولكن الآية اكتفت بما تفهمه العامّة ، وأحال سبحانه المعنى الدقيق منه إلى الآيات الأخر.

 

كيف والآية جعلت للإنسان نفساً وجعلت لها آثاراً ، قال سبحانه: ( وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ( ق / 16 ) وجعلت سبحانه هو المتوسط بين الإنسان ونفسه ، وبين نفسه وآثارها ، مع أنّه سبحانه أقرب إلى الإنسان من كلّ أمر مفروض حتى نفسه ، كلّ ذلك يعرب عن أنّ الآية بصدد تفهيم قرب يقع في متناول فهم العامّة ونظيره قوله سبحانه: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ ) ( الأنفال / 24 ).

 

وفي روايات أئمّة أهل البيت تصريحات بالقرب القيومي والإحاطة الوجوديّة نكتفي منها بما يلي :

1 ـ روى الكليني عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام أنّه ذكر عنده قوم يزعمون أنّه الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال: « إنّ الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، وإنّما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد » (1).

 

2 ـ روى الكليني عن محمد بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام: « جعلني الله فداك يا سيّدي قد روي لنا أنّ الله في موضع دون موضع على العرش استوى ... » فوقّع عليه السّلام: « واعلم أنّه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش والأشياء كلّها له سواء علماً وقدرة وملكاً وإحاطة » (2).

 

3 ـ روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّ أمير المؤمنين استنهض الناس في حرب معاوية في المرّة الثانية ، فلمّا حشر الناس قام خطيباً فقال: « سبحان الذي ليس أوّل مبتدأ ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى سبحانه هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ، وحدّ الأشياء كلّها عند خلقه ـ إلى أن قال ـ: لم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن ، ولم يخل منها فيقال له أين ؟ لكنّه سبحانه ... » (3).

 

4 ـ روى ابن عساكر « في تاريخ دمشق » :

« إنّ نافع بن الأزرق قائد الأزارقة من الخوارج قال للحسين عليه السلام: صف ربّك الذي تعبده، قال الحسين عليه السلام: « يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه: لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير مستقصي ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير المتعال » (4).

وما أليق بالمقام قول القائل :

لا تقل دارها بشرقيّ نجد

كلّ نجد لعامرية دار

ولها منزل على كلّ ماء

وعلى كلّ دمنة آثار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي: ج 1، باب الحركة، ص 125 الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الحديث 4، ص 126.

(3) المصدر نفسه: باب جوامع التوحيد، ص 135 الحديث 1.

(4) تاريخ دمشق: ج 4، ص 323.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد