قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

القرآن كتاب هداية وبشارة وإنذار

قال الله الحكيم في كتابه الكريم: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) «1».

 

لو تأمّلنا في مفهوم الآية الكريمة فسنحصل على ثلاثة مطالب:

 

الأوّل: أنّ القرآن الكريم كتابٌ يهدي المجتمع البشريّ ويرشده لأمتن وأتقن الأديان والأساليب والمذاهب والمسالك وأرسخها، وهو معنى يستحقّ التأمّل والدقّة لأهمّيّته البالغة، إذ منذ زمن أبي البشر آدم إلى يومنا هذا فكلّ ما جاء به الأنبياء وما نطقوا به عن الله الحيّ القيّوم كان لإرشاد البشر وهدايتهم، وكذا الكتب المنزَلة إليهم كانت من أجل الدعوة إلى التوحيد، وبيان الحقائق وإرشاد الناس إلى منزل السعادة وتجاوز العقبات المهلكة وتحذيرهم من الأمراض الروحيّة والخلقيّة، وكذا ما جاء به الحكماء الإلهيّون الحقيقيّون الذين مجّدهم الإسلام كلقمان الحكيم وسقراط وأفلاطون وآخرين غيرهم، وما بحثه هؤلاء وما سطّروه من كتب أو أسّسوه من مدارس فكريّة، وما قدّموا للعالم الإنسانيّ من تلامذة مقتدرين، وكذلك ما يقوم به العلماء والمفكّرون المتألّهون وغير المتألهين اليوم سعياً لتحقيق سعادة المجتمعات، وما وضعوه من العلوم المستقلّة باسم علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة ودراسة الأسس الأخلاقيّة والأسلوب الواقعيّ السليم لسعادة البشر والحياة في ظلّ الهدوء والطُّمَأنينة والسلام والاستمتاع بجميع مواهب الإنسانيّة، وكذا ما اكتظّت به الجامعات والكلّيّات من البحوث والدراسات الدقيقة.

 

وكّل ما جاء بعد ذلك نتيجة للتكامل العلميّ والبحث والتحقيق وتأليف الكتب وتقديم فلاسفة جدد للعالم، والجلوس على الطاولات المستديرة، أو البيضاويّة أو المستطيلة أو المسدّسة، والصعود إلى الفضاء وتسخير كواكب المرّيخ والزهرة وعطارد سعياً لتخطيط أفضل برنامج للسعادة والرقيّ؛ ومع سعة المجال ورحبة وشمول النظرة إلى الأديان السماويّة والوضعيّة، فالقرآن - نعم، هذا القرآن الذي نضعه في جيوبنا ونقرأ فيه - هو الأقوم والأكثر سداداً وأصالة، والأكثر جدارة في قبوله كهادٍ للمجتمع البشريّ إلى الصلاح العامّ والسعادة المطلقة والحياة النظيفة المفعمة بالفائدة والعيش الرغيد.

 

وهذا المطلب مهمّ جدّاً، لأنّ هذه الآية - التي تُذاع اليوم من إذاعات الدول الإسلاميّة والكافرة - تُظهر علناً أنّ برنامج القرآن هو الأفضل، وأنّ طريقة هديه وإرشاده هي أكثر من كلّ الطرق سداداً، وأنّ سكّان المعمورة على اختلاف ألوانهم ومناطقهم ومعايشهم لو اجتمعوا وبحثوا في آداب وتقاليد وأهداف وعقيدة ونهج الحياة وأسلوب العيش والاستفادة من أرقى الطرق والمذاهب التي وضعوها نصب أعينهم ثمّ قارنوها مع أحكام القرآن من الكسب والتجارة والنكاح والعبادة والصلاة والصيام والحجّ والجهاد والقوانين التوحيديّة والبيانات العرفانيّة والمواعظ الأخلاقيّة والتعاليم العمليّة، لرأوا بأمّ أعينهم أنّ الإسلام هو الأفضل بكثير والأرفع والأسمى والأرقى، لأنّه يوصل البشر إلى تكاملهم الإنسانيّ بأقصر طريق، ويخطو في توظيف قوي الإنسان وطاقاته بأسس حكيمه راسخة.

 

الثاني: أنّه يبشّر المؤمنين والمعتقدين بالحضرة الإلهيّة والمعترفين بالرسالة والمقرّين بالولاية بأنّ الخالق المنّان قد كتب لهم الأجر والثواب الجزيل جزاء جهدهم المتواصل وسعيهم الجادّ وجهدهم في العمل والسلوك للوصول إلى النجاح والنجاة والخلاص من هواجس النفس ونيل الدرجات العالية والمقامات السامية. فالقرآن إذاً، هو كتاب بشارة وأمل وسرور وتوفيق.

 

الثالث: أنّه يُحذّر منكري الخالق والرسالة والولاية، وبالتالي منكري الآخرة ويوم الثواب والعقاب، ويخوّفهم من العذاب الأليم العسير جزاء كفرهم وعقاب عدم إيمانهم، لذا يُعدّ القرآن كتاب تحذيرٍ وإنذار وتنبيهٍ وإيقاظ. فالقرآن كتاب أمل وبشارة، وكتاب إنذار وتخويف، في نفس الوقت الذي يُعدّ برنامجاً لحركة الإنسان، بل هو أقوم البرامج وصولًا إلى أصدق الأديان وأصحّ المناهج والتطلّعات.

 

ونجد لهذه المطالب الثلاثة أمثلة كثيرة في القرآن الكريم، كما في صدر سورة النمل. (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ، هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) «2».

 

وفي سورة الكهف، حيث يقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً، ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً، وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) «3»، (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً). «4».

 

والقرآن مليء بالآيات المبشِّرة للمؤمنين والمنذرة والمخوِّفة للكافرين باعتباره أكمل كتاب وأفضل وأوضح طريق للتربية والتكامل مُحلِّقاً بجناحَي الخوف والرجاء. لذا نرى أنّ الذين مثّلوا وجسّدوا الأمل والرجاء المحض كعيسى ابن مريم، أو الذين مثّلوا الخوف المحض كيحيى بن زكريّا، على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام، لم يمتلكوا درجة ومقام وشمول وجامعيّة رسول الله، الذي تمثّل وتجسّد فيه كِلا الرجاء والخوف، فلهذا كان طلّاب هذا الدين أوسع وأشمل وأكمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - الآيتان 9 إلى 10 ، من السورة 17 الإسراء.

(2) - الآيات 1 إلى 4 ، من السورة 27 . النمل .

(3) - كاليهود الذين يدعون عزير ابناً للّه والنصاري الذين يدعون عيسى ابناً للّه والمشركين الذين يسمّون الملائكة بنات الله.

(4) - الآيات 1 إلى 5 ، من السورة 18 . الكهف .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد