قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

ونحن أقرب إليكم

في الآية الثانية عشرة من سورة (ق) تعابير جديدة ولطيفة حول علم اللَّه، فقد طرحت فيها أيضًا مسألة علم اللَّه كتحذير لجميع الناس ليراقبوا أفكارهم ونيّاتهم، وما تكنّ صدورهم، قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ اقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيْدِ».

 

أشارت هذه الآية إلى قسمين من علم اللَّه تعالى:

 

الأول: يعتمد على مسألة خلق الإنسان، أي كيف يمكن أن يجهل الخالق الحكيم فعله؟ خصوصًا وأنّ خلقه مستمر وفيضه ينزل كلّ لحظة على جميع موجودات عالم الوجود، وبتشبيه ناقص، هو التيار الذي ينبعث من المولد الكهربائي ويزود المصابيح بالنور باستمرار.

 

والثاني: هو أنّه غير بعيد عن مخلوقاته، فهو أقرب إليهم من أنفسهم، لذا فحضوره الدائمي وقربه يعدّ دليلًا آخر على إحاطته بجميع الأمور.

 

وقد ذكرت في كتب التفسير واللغة تفاسير متعددة بخصوص كلمة «وريد» منها: أنّ (الراغب) فسره بمعنى الشريان الذي يتصل بالقلب والكبد، وقال جماعة: إنّه بمعنى وريد الرقبة.

 

وقال آخرون: إنّه بمعنى الوريد الذي يتصل بالفم أو تحت اللسان وفسره جماعة بأنّه بمعنى جميع الأوعية الدموية الموجودة في البدن. وبديهي فإنّ المعنى الأول (الشريان الرئيسي الأبهر) أكثر تناسبًا مع مفهوم الآية، لأنّه أراد أن يبيّن قرب اللَّه الشديد من الإنسان، وهذا المعنى أقرب خصوصًا مع ملاحظة وجود وريدين في الرقبة.

 

والتعبير بكلمة «حبل» يُشير أيضًا إلى أنّ المقصود ليس جميع أوردة البدن، بل الرئيسة منها، وكما عبر البعض حيث قالوا: بأنّ المقصود هو الأوردة التي لها منزلة الأنهار لا الجداول.

 

وعلى أيّة حال فهذه الكلمة مشتقة من كلمة (ورود) أي بمعنى الوصول إلى الماء - التي لها تناسب واضح مع أوردة الدم. ومن هنا يعبر عن الأزهار بالورد، أي الثمرة الأولى التي ترد من الشجرة «1».

 

«توسوس»: من الوسوسة والوسواس، وهو بمعنى الصوت الهادىء الخارج من آلات الطرب، والنداء والصوت الخفي، والخواطر القلبية، والتصورات الفكرية الخاطفة، والأفكار غير المرغوبة «2».

 

وعلى أيِّ حال، فعندما يحيط اللَّه تعالى بالخواطر الفكرية الخاطفة، فإنّه لا يبقى مجال للشك والترديد بأنّه سبحانه يحيط علمًا بسائر أعمالنا وأفعالنا واعتقاداتنا. وتعبيره: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إضافة إلى كونه تحذيرًا، فهو ينزل علينا نوعًا من السكينة الباعثة للأمل، ونور هذا الأمل هو الذي ملأ جميع أجزاء وجودنا.

 

أليس عجيبًا أن يبتعد الإنسان من محبوبه بعد أن يعلم بأنّه أقرب إليه من نفسه؟ من الذي يقاسمنا ألم هذه المصيبة عندما يكون المحبوب قريبًا من الإنسان ولكن الإنسان يحترق بنار الهجران؟

 

نحن أقرب قال من حبل الوريد  

أنت قد هاجرت عنه وتوغلّت بعيد

أيّها المالي قوسًا من نبال  

قَربُ الصيد وترمي للجبال!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). مفردات الراغب؛ ومقاييس اللغة؛ ولسان العرب؛ وتفسير الميزان؛ والفخر الرازي؛ والقرطبي؛ وفي ظلال القرآن وغيرها من التفاسير.

(2). «وسواس» اسم مصدري، و«الوسواس» بكسر الواو ذو معنى مصدري، وقد تأتي الكلمة (اسم فاعل) أي الشيطان، (لسان العرب).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد