قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد البلاغي
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد البلاغي، ولد في النجف الأشرف وفيها توفي ودفن، أفنى عمره في طلب العلم ، والتأليف والتصنيف ، والإجابة على مختلف الإشكالات

قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن

لا يخفى أن شيخ المحدثين والمعروف بالاعتناء بما يروى وهو الصدوق طاب ثراه قال في كتاب الاعتقاد: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله اللَّه على نبيه (ص) هو ما بين الدفتين وليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب..

 

وحمل الروايات الواردة في النقصان على وجوه أخر. وفي أواخر فصل الخطاب من كتاب المقالات للشيخ المفيد قدس سره إنه قال جماعة من أهل الإمامة إنه (أي القرآن) لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتًا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله.

 

وعن السيد المرتضى قدس سرّه قوله بعدم النقيصة وإن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارًا ضعيفة ظنوا صحتها. وفي أول التبيان الشيخ الطوسي (قده) أمّا الكلام في زيادته ونقصه فمما لا يليق به أيضًا لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها. والنقصان فالظاهر أيضًا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علمًا ولا عملًا، والأولى الإعراض عنها.

 

وتبعه على ذلك في مجمع البيان وفي كشف الغطاء في كتاب القرآن المبحث الثامن في نقصه، لا ريب أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر وما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها إلى أن قال: فلا بد من تأويلها بأحد وجوه.

 

وعن السيد القاضي نور اللَّه في كتابه مصائب النواصب: ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم. وعن الشيخ البهائي: وأيضًا اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه، والصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصانًا، ويدل عليه قوله تعالى (وإِنَّا لَه لَحافِظُونَ) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء.

 

وعن المقدس البغدادي في شرح الوافية: وإنما الكلام في النقيصة والمعروف بين أصحابنا حتى حكي عليه الإجماع عدم النقيصة أيضًا. وعنه أيضًا عن الشيخ علي بن عبد العالي أنه صنف في نفي النقيصة رسالة مستقلة وذكر كلام الصدوق المتقدم ثمّ اعترض بما يدل على النقيصة من الأحاديث، وأجاب بأن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه.. هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل عن الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد. وفي جملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها. ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين. هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلًّا منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية. وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء. وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثًا واحدًا وأنه معروف بالوقف وأشدّ الناس عداوة للرضا عليه السلام. وإما بأنه كان غاليًا كذابًا. وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه ومن الكذابين. وإما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلوّ. ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئًا. ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة أن ننزلها على أن مضامينها تفسير للآيات أو تأويل أو بيان لما يعلم يقينًا شمول عموماتها له لأنه أظهر الأفراد وأحقها بحكم العام.

 

أو ما كان مرادًا بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل، أو ما كان هو المورد للنزول، أو ما كان هو المراد من اللفظ المبهم، وعلى أحد الوجوه الثلاثة الأخيرة يحمل ما ورد فيها أنه تنزيل وأنه نزل به جبريل كما يشهد به نفس الجمع بين الروايات. كما يحمل التحريف فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي، ففيها وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده.

 

وكما يحمل ما فيها من أنه كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام أو ابن مسعود، وينزل على أنه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل. ومما يشهد لذلك قول أمير المؤمنين (ع) للزنديق كما في نهج البلاغة وغيره ولقد جئتهم بالكتاب كملًا مشتملًا على التنزيل والتأويل.

 

ومما أشرنا إليه من الروايات أن المحدث المعاصر أورد في روايات سورة المعارج أربع روايات ذكرت أن كلمة (بولاية علي) مثبتة في مصحف فاطمة وهكذا هي في مصحف فاطمة (ع) ولا يخفى أن مصحفها عليها السلام إنما هو كتاب تحديث بأسرار العلم كما يعرف ذلك من عدة روايات في أصول الكافي في باب الصحيفة والمصحف والجامعة، وفيها قول الصادق (ع) ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

 

وما أزعم أن فيه قرآنًا كما في الصحيح والحسن (ومنها) ما في الكافي في باب أن الأئمة عليهم السلام شهداء على الناس في صحيحة بريد عن أبي جعفر (ع) وروايته عن أبي عبد اللَّه (ع) من قولهما (ع) في قوله تعالى (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) نحن الأمة الوسطى.

 

وفي شرحه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن الذين قال اللَّه (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). إذن فما روي مرسلًا في تفسيري النعماني وسعد من أن الآية أئمة وسطًا لا بد من حمله على التفسير وأن التحريف إنما هو للمعنى (ومنها) كما رواه في الكافي في باب أن الأئمة هم الهداة، عن الفضيل سألت أبا عبد اللَّه (ع) عن قول اللَّه تعالى (ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فقال كل إمام هو هاد للقرن الذي هو فيهم.

 

ورواية بريد عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فقال رسول اللَّه (ص) المنذر ولكل زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به النبي (ص) والهداة من بعده عليّ (ع) ثمّ الأوصياء واحدًا بعد واحد. ونحوها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (ع) ورواية عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول اللَّه (ص) المنذر وعليّ الهادي، وبمضمونها جاءت روايات الجمهور مسندة عن طريق أبي هريرة وأبي برزة وابن عباس وطريق أمير المؤمنين (ع) وصححه الحاكم في مستدركه.

 

وإذا أحطت خبرًا بهذا فهل يروق لك التجاء فصل الخطاب في تلفيقه وتكثيره إلى النقل عن بعض التفاسير المتأخرة وعن الداماد في حاشية القبسات من قوله إن الأحاديث من طرقنا وطرقهم متضافرة بأنه كان التنزيل إنما أنت منذر لعباد وعليّ لكل قوم هاد... (ومنها) رواية الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال قوله عز وجل (رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)  يعنون بولاية علي (ع) وهذا صريح في كونه تفسيرًا فهي حاكمة ببيانها على ضعيفتي أبي بصير في ظهورهما بأن لفظ «بولاية علي» محذوف من الآية ويسري البيان من رواية أبي حمزة إلى أمثال ذلك (ومنها) رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللَّه (ع) في قوله تعالى في سورة البقرة (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ). مخرجات. ولا أظن إلا أنك تقول إن إلحاق الإمام (ع) لكلمة مخرجات إنما هو تفسير للمراد من كلمة. إخراج. لا بيان للنقيصة من القرآن الكريم ولكن فصل الخطاب أورده بعنوان البيان للنقيصة فاعتبر.

 

(ومنها) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (ع) كما في الكافي في أول باب منع الزكاة وفيها ثمّ قال (ع) هو قول اللَّه عزّ وجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِه يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة فالرواية كالصريحة بأن لفظ «من الزكاة» إنما هو تفسير من الإمام لا من القرآن فهي حاكمة ببيانها على مرسلة ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللَّه (ع) في قول اللَّه عزّ وجل. (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِه). من الزكاة (يَوْمَ الْقِيامَةِ) وصارفة لها عن كونها بيانا للنقيصة.

 

(ومنها) صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (ع) كما في الكافي في باب نص اللَّه ورسوله على الأئمة واحدًا بعد واحد. وفيها: فقلت له إن الناس يقولون فما له لم يسم عليًّا (ع) وأهل بيته في كتاب اللَّه، قال فقولوا لهم إن رسول اللَّه نزلت عليه الصلاة ولم يسم اللَّه لهم ثلاثًا ولا أربعًا حتى كان رسول اللَّه (ص) هو الذي فسر لهم ذلك.

 

وكذا قال (ع) في الزكاة والحج. ومقتضى الرواية تصديق الإمام (ع) لقول الناس إن اللَّه لم يسم عليًّا في القرآن وإن التسمية كانت من تفسير رسول اللَّه (ص) في حديث من كنت مولاه وحديث الثقلين. ويشهد لذلك ما رواه في الكافي أيضًا في هذا الباب بعد ذلك بيسير في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام ورواية أبي الجارود عنه (ع) أيضًا ورواية أبي الديلم عن أبي عبد اللَّه (ع) أنهما تلوا في مقام الاحتجاج وعدم التقية قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه) ولم يذكرا في تلاوة الآية كلمة «في عليّ» وهذا يدلّ على أنّ ما روي في ذكر اسم علي (ع) في هذا المقام بل وفي غيره، إنما هو تفسير وبيان للمراد في وحي القرآن بكون التفسير والبيان جاء به جبرائيل من عند اللَّه بعنوان الوحي المطلق لا القرآن (وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).

 

(ومنها) رواية الفضيل عن أبي الحسن الماضي (ع) في باب النكت من التنزيل في الولاية من الكافي قال قلت (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِه تُكَذِّبُونَ) قال يعني أمير المؤمنين (ع) قلت تنزيل قال (ع) نعم. فإنه (ع) ذكر أمير المؤمنين (ع) بقوله يعني بعنوان التفسير وبيان المراد والمشار إليه في قوله تعالى هذا فقوله في الجواب «نعم» دليل على أن ما كان مرادًا بعينه في وحي القرآن يسمونه عليهم السلام تنزيلاً. فتكون هذه الرواية وأمثالها قاطعة لتشبثات فصل الخطاب بما حشده من الروايات التي عرفت حالها إجمالًا وإلى ما ذكرناه وغيره يشير ما نقلناه من كلمات العلماء الأعلام قدست أسرارهم. فإن قيل إن هذه الرواية ضعيفة وكذا جملة من الروايات المتقدمة، قلنا إن جل ما حشده فصل الخطاب من الروايات هو مثل هذه الرواية وأشد منها ضعفًا كما أشرنا إليه في وصف رواتها على أن ما ذكرناه من الصحاح فيه كفاية لأولي الألباب.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد