يأتي الوقف دون الموصل في وسط الآية وضمن فقراتها، وعند فواصلها، ولما كان مبنى الفواصل القرآنية على الوقف في مختلف صورها مرفوعة ومجرورة ومنصوبة اسمًا كانت أم فعلًا، مفردًا أم مثنى أم جمعًا، مذكرًا ومؤنثًا، فإن الوقف في مجالها متميز الأبعاد، ومتوافر العطاء....
شاع في فواصل الآيات القرآنية مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون، وقارن فيما يأتي: من الآيات، وهي تقف عند السكون صوتًا في غير الدرجة إن كانت فواصلها متعاقبة على الرفع والجر أو الجرّ والرفع من حيث الموقف الإعرابي، والرسم الكتابي:
أولا: مقابلة المجرور والمرفوع طردًا وانعكاسًا والمجرور بالمفتوح:
أ - قال تعالى: ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11)﴾ «1».
فالكلمة «جانب» وهي مجرورة في الفاصلة الأولى تتبعها «واصب» في الفاصلة الثانية، وهي مرفوعة. والكلمة «ثاقب» مرفوعة تتبعها في الفاصلة التي تليها «لازب» وهي مجرورة، وقد جاءت الفواصل جميعها على نبرة صوتية واحدة نتيجة الوقف عندها.
ب - قال تعالى : ﴿فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14)﴾ «2».
فالكلمة «منهمر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «قدر» وهي مفتوحة. والكلمة «دسر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «كفر» وهي مفتوحة، وقد تمت تسويتها الصوتية على وتيرة نغمية واحدة ضمن نظام الوقف في الفواصل فنطقت ساكنة.
ج - وفي سورة الرعد، ورد اقتران المنون المجرور بالمنصوب، يليه المجرور غير المنون، في قوله تعالى: ﴿وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)﴾ «3». فالكلمة «وال» منونة وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «الثقال» وهي مفتوحة منصوبة، تليها «المحال» وهي مجرورة غير منونة. وبدت الآيات في تراصفها الصوتي مختتمة باللام الساكنة، دون تنوين أو فتح أو كسر بفصيلة الوقف.
ثانيًا: ولا تتحكم هذه القاعدة في الفواصل التي تلتزم حرفًا واحدًا في أواخرها، كما في الأمثلة السابقة بل تتعداها إلى أجزاء أخرى من الفواصل، المختلفة الخواتيم، وقارن بين الآيات التالية الذكر:
أ - ورد اقتران المجرور بالمرفوع المنوّن، واقتران المرفوع المنون بالمنصوب في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ، مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32)﴾ «4».
فالألفاظ: «النار» وهي مجرورة دون تنوين، و«خلال» وهي مرفوعة منونة، و«الأنهار» وهي منصوبة مفتوحة، وقد تلاقت الكسرة والضمة والفتحة في سياق قرآني واحد، دون تقاطع النبر الصوتي، أو اختلاف النظام الترتيلي.
ب - وقد جاء التنوين في حالة الجر إلى جنب الرفع غير المنون في فاصلتي قوله تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)﴾ «5». فالكلمتان «خبير» وهي مجرورة منونة مختتمة بالراء، تبعتها في الفاصلة التي تليها «الحميد» وهي مرفوعة دون تنوين مختتمة بالدال، انسجما صوتيًّا مع اختلاف الفاصلة والهيئة نتيجة لهذا الوقف الذي قرب من الصوتين.
ثالثًا: ولا يقف فضل الوقف على ما تقدم بل يظهر بمظهر جديد آخر في تقاطر العبارات وتناسقها، وهي مختلفة في المواقع الإعرابية، وكأنها في حالة إعرابية واحدة وإن لم تكن كذلك، نتيجة للصوت الواحد في الوقوف على السكون في آخر الفاصلة.
أ - في سورة المدثر، يقترن المرفوع المنون، بالمجرور المنوّن، يليه المنصوب المنوّن، ولا تحس لذلك فرقًا في سياق واحد في قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52)﴾ «6». فالكلمات: «مستنفرة» مرفوعة منونة، تلتها «قسورة» مجرورة منونة، تلتها «منشرة» منصوبة منونة، ولم تنطق صوتيًّا عند الوقف بكل هذه التفصيلات، بل وقفنا على الهاء.
ب - وفي سورة القيامة يقترن الاسم المنصوب في الفاصلة بالظرف مع الاسم المجرور بسياق واحد متناسق يكاد لا يختلف في نبر، ولا يختلط في تنغيم، قال تعالى: ﴿بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6)﴾ «7».
فالألفاظ: «بنانه» مفعول به منصوب مضاف إلى الهاء، و«أمامه» ظرف مضاف إلى الضمير، و«القيامة» مجرورة مضاف إليه. وجاءت الأصوات متقاطرة بالهاء عند الوقف.
أما الوقف في وسط الآية، وفي نهاية الجملة، وعند بعض الفقرات من الآيات، فإنه يخضع لقواعد إعرابية حينًا، وتركيبة حينًا آخر، ولا يترتب عليها كبير أمر في الأصوات، لهذا كانت الإشارة مغنية، وكان التفصيل في الوقف عند الفواصل لارتباطه بالصوت اللغوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصافات: 8 - 11.
(2) القمر: 11 - 14.
(3) الرعد: 11 - 13.
(4) إبراهيم: 30 - 32.
(5) فاطر: 14 - 15.
(6) المدثر: 50 - 52.
(7) القيامة: 4 - 6.
الشهيد مرتضى مطهري
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد ابو القاسم الخوئي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد جعفر مرتضى
الشيخ علي المشكيني
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
أركان السعادة البشرية
تجرّد النفس وبقاؤها
حياة الإنسان والقيم الأخلاقية
القرآن والاتقان في المعاني
مهمة الوقف في الأداء القرآني
الطب عند العرب قبل الإسلام
مَن قتل مشاعرك؟ الكتاب الأوّل للتوستماستر مصطفى آل غزوي
قراءات نقديّة مصريّة لــ (عشرة أيام في عين قسيس الإنجيلي) لرجاء البوعلي
الشّيعة في العصر الأموي
في الزهد ودرجاته وعلاماته