إذا ألقينا نظرة ولو بسيطة على القرآن الكريم فسوف نجده يعدّ الإنسان موجوداً مختاراً، وبَعْثُ الأنبياء وإنزال الكتب السماوية يصبح لغواً من دون اختيار الإنسان، فهذا الأمر بنفسه يدلّ على أنّ الله وأنبياءه يعتبرون الإنسان مختاراً.
وتدلّ عليه أيضاً الآيات الواردة في مجال امتحان الإنسان وابتلائه: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2] {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] وهناك في آيات الوعد والوعيد توجد صفات نسبها الله لأنبيائه منها أنهم مبشّرون ومنذرون: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213] فالتبشير هو إعطاء الوعود الحسنة على الأعمال الخيّرة، والإنذار هو تخويف الناس من عواقب أعمالهم السيّئة، سواء أكانت عواقب دنيوية أم أخروية.
وحتى إنّ القرآن أحياناً يعبّر بــ"النذير" بدل أن يقول أرسلنا رسولاً: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] أو يقال للكافرين يوم القيامة: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8] وجميع هذه الموارد من وعد ووعيد وبشارة وإنذار لا معنى لها إلاَّ في نطاق الموجود المختار.
وهناك طائفة أخرى من الآيات الدّالة على اختيار الإنسان أيضاً، وهي آيات عهد الله وميثاقه مع عامة الناس أو فئات خاصة منهم، يقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60، 61] ولو كان الإنسان مجبراً وليس له اختيار فإنّ عهد الله معه يصبح لغواً.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [البقرة: 83] {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] وهاتان الآيتان واردتان في مجال الميثاق الخاص، فجميع هذه الآيات الواردة في مضمار الميثاق العام أو الخاص تدل على اختيار الإنسان.
وبالإضافة إلى هذه الأدلة النقليَّة أو العقلية فإنّ الإنسان يدرك بالعلم الحضوري أيضاً أنه مختار، فلا شك أنّ الإنسان في كثير من المواقف عندما يجد نفسه على مفترق طريقين فإنه يختار أحدهما بإرادته من دون أن يُجبر من قبل جهة خارجيَّة. وقد قال بالجبر أو ما يشبهه بعضُ المنتسبين للإسلام، ونجمل القول هنا بأنّ هؤلاء قد واجهوا شبهات لم يستطيعوا حلّها فاتخذوا هذا الموقف.
مفهوم الاختيار
لكي تتّضح أيَّة مسألة لا بدّ أولاً من تبيين المفاهيم المذكورة في عنوانها، حتى إذا كان هناك اشتراك أو تشابه فإنه يزول ليُعرَف المقصود بدقَّة، ولهذا فإننا نقوم بتوضيح مفهوم الاختيار قبل الدخول في صميم البحث: إن كلمة الاختيار تستعمل في عرفنا وفي المباحث النظرية بعدّة صور وفي مجالات مختلفة:
في مقابل الاضطرار: مثلاً نقول في علم الفقه: لا يجوز للإنسان أكل لحمة الميتة باختياره، إلاَّ أنه لا مانع من أكله إذا كان مضطراً، أي إذا لم يأكل تتعرّض حياته للخطر أو يصيبه ضرر بالغ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ و... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].
في مقابل الإكراه: وتستعمل بهذا المعنى في المجالات القانونية فنقول مثلاً: بيع المكرَه باطل، أي من شروط صحَّة البيع أن يتمّ الاختيار، هذا إذا قلنا ببطلان بيع المكره، والإكراه يحصل عند تهديد الشخص بضرر، فهو يقوم بالفعل تحت تهديد الغير، ولو لم يكن هناك تهديد فإنه لا يختاره ولا يفعله، والفرق بين الاضطرار والإكراه هو أنه في حالة الاضطرار لا وجود لتهديد الغير وإنما الشخص يضطر بنفسه للقيام بالفعل نتيجةً للظروف الخاصَّة والاستثنائية التي يعيشها.
الاختيار بمعنى القصد والانتخاب: يقسّم الفلاسفة فاعل الفعل إلى أقسام، من جملتها "الفاعل بالقصد" وهو الذي يواجه سبلاً مختلفة ويقارن بينها ثم يختار أحدها، ويسمى هذا القصد والانتخاب أحياناً بــ "الاختيار والإرادة" ويختصّ بالفاعل الذي يتصوّر فعله قبل القيام به ثمّ يشتاق إليه ثم يقرّر القيام به، حتى وإن كان هذا الانتخاب قد تمّ نتيجةً لتهديد الغير أو لظروف استثنائية.
الاختيار في مقابل الجبر: ويستعمل الاختيار أحياناً في معنى واسع وهو أن يتمّ إنجاز الفعل من الفاعل عن رغبته وحبّه دون أن يتعرّض للضغط من قبل عامل خارجي، وهذا المعنى للاختيار أعمّ حتى من الفاعل بالقصد، لأنه لا يشترط هنا أن تجري مقارنة ذهنيَّة ليحصل بعدها الشوق للفعل ثم يشتدّ ذلك الشوق ثم يقرّر ويريد سواء أكان هذا التقرير والإرادة كيفاً نفسانياً أم فعلاً نفسانياً، وإنما الشرط الوحيد هنا هو أن يصدر الفعل نتيجةً لرضى الفاعل ورغبته، وبهذا المعنى الواسع يشمل بعض الأقسام الأخرى من الفاعل أيضاً كالفاعل بالعناية والفاعل بالرضا والفاعل بالتجلّي، فكل واحد من هذه فاعل مختار لكنه لا ينطبق عليه أنَّه فاعل بالقصد لأنه لم يقم خلال فعله بالتصوّر والتصديق والمقارنة.
والاختيار بهذا المعنى صادق أيضاً حتى في مورد الله والملائكة وسائر المجرَّدات، ومع أنّ التصوّر والتصديق لا معنى لهما بالنسبة إليها أو على الأقل بالنسبة لله تعالى مع أنّ له أرفع مراتب الاختيار. فالفاعل الإرادي توجد في نفسه أحياناً عوالم مضادة أيضاً أو يتعرّض لضغط من الخارج إلاَّ أنه لا مجال لمثل هذه الأمور في الفاعل بالرضا أو بالتجلي، فلا توجد قدرة في مقابل قدرة الله حتى تضغط عليه.
وكذا أيضاً في مورد المجرّدات التامة، فهي بعد إثبات وجودها: تتمتّع بهذه الصفة وهي أنها لا تقع تحت تأثير عامل خارجي، مثلاً إذا اعتبرنا الملائكة من المجرَّدات فإنّ تسبيحها وتقديسها يكون اختيارياً، فهي التي تريده وتحبه "طعامهم التسبيح" إلاَّ أنّ الاختيار بمعنى القصد المسبوق بالتصوّر والمقارنة ليس صادقاً بشأنها لأنه لا ذهن لها ولا تقوم بمقارنة ولا ينبعث فيها شوق، وإجمالاً لا يحدث في ذاتها أيّ تغيير، لكنها مختارة أيضاً، وبناءً على هذا نلاحظ أنّ معنى الاختيار قد يختلف مع مفهوم الإرادة من حيث المصداق، ومن الواضح أنّ الإرادة إذا كانت بمعنى القصد والعزم فكل فاعل بالقصد فهو مختار ولكنه ليس كل فاعل مختار فهو قاصد بهذا المعنى.
وإذا استطعنا إثبات الإرادة في الذات الإلهية أي بما أنها من صفات الذات فهي ليست بمعنى الكيف ولا الفعل النفساني، وإنما بمعنى الحب والرضا، وعلى كل حال فإنّ تعريف الفاعل بالقصد لا يكون شاملاً لله تعالى. وتحسن الإشارة هنا إلى أنّ بعض المتكلمين قد ذهب إلى كون الله فاعلاً بالقصد، إلاَّ أنّ الدقَّة الفلسفيَّة قد أثبتت أنه لا يمكن عدّ الله فاعلاً بالقصد لأنه يلزم من ذلك نسبة بعض صفات المخلوقين إليه سبحانه. إذاً الفاعل بالإرادة يساوي بالقصد أخصّ من الفاعل المختار.
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية