قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

ملاك الشرك في العبادة

ما هو معيار وملاك الشرك في العبادة؟

 

الجواب: من مراتب التوحيد، التوحيد في العبادة بمعنى الاعتقاد بأن العبودية والعبادة تختصّ باللّه تعالى، وأنّ غيره ـ مهما كان ـ غير لائق بأن يعبد، وهذا ما نؤكده في صلاتنا اليومية حيث نخاطبه سبحانه بقولنا: (إِيّاكَ نَعْبُدُ).

 

ويمكن تعريف العبادة بثلاثة تعاريف مختلفة:

 

أ. هي الخضوع اللفظي أو العملي النابع من الاعتقاد بإلوهية المعبود. وعلى هذا الأساس كلّ لفظ أو عمل لا ينشأ من هذا الاعتقاد لا يُعدّ عبادة. ويؤيد ذلك الآيات التي تأمر بعبادة اللّه سبحانه و تنهى عن عبادة غيره. يقول سبحانه: (...يقَوْمِ اعْبُدوُا اللّه مَالَكُمْ مِنْ إِله غَيْرُه... ) . [1]

 

ب. العبادة هي الخضوع والخشوع أمام موجود يعتقد أنّه ربّه ومدبّره. شبيه صاحب البستان أو الضيعة الذي يقوم بإدارة أمورها وتربيتها، وهذا يعني أنّ ملاك عبادة المعبود هو الاعتقاد بربوبيته. والشاهد على هذا التعريف الآيات التي تحصر سبب العبودية للّه سبحانه بكونه هو الرب الوحيد.

 

1. (...وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَني إِسرائيل اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ ربَّكُمْ... ) . [2]

2. (إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) . [3]

3. (إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَربُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) . [4]

 

ج. العبادة  هي الخضوع أمام من يعتقد بأنّه إله العالم، أو الخضوع أمام موجود يعتقد أنّ أمور العالم قد فوّضت إليه، سواء كانت الأُمور التكوينية، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، أو كانت من قبيل الأمور التشريعية، مثل التقنين والشفاعة والمغفرة.

 

إنّ الإنسان الموحّد  يؤمن بأنّ جميع الأمور التكوينية والتشريعية تصدر حقيقة من اللّه سبحانه وتعالى، وإنّ اللّه سبحانه لم يفوّض أمر مخلوقاته إلى موجود آخر، ولذلك يعبد اللّه سبحانه ويطيعه، أمّا الإنسان المشرك وإن كان يعتقد أنّ الآلهة  والأرباب الأخرى مخلوقة للحق تعالى، ولكنّه في نفس الوقت يعتقد أنّ بعض أو كلّ الأمور التكوينية والتشريعية قد فوضت إليهم، وانطلاقاً من هذا المعتقد يتوجّه إلى الكواكب والأصنام ليطلب منها هطول المطر والشفاعة والعون والنصرة في الحق، لأنّ تلك الأُمور قد فوّضت إليهم.

 

وبإمعان النظر في التعاريف الثلاثة الماضية بالعبادة يتّضح جليّاً المعيار الأساسي للتوحيد والشرك في العبادة. فكلّ خضوع ناشئ من الاعتقاد بإلوهية أو ربوبية المعبود أو كون المعبود قد فوض إليه أمر الموجودات يُعدُّ عبادة، سواء أكان هذا الاعتقاد حقاً وصحيحاً،  كما في عبادة اللّه سبحانه، أو كان الاعتقاد باطلاً  وغير صحيح، كما في عبادة الأصنام.

 

أمّا إذا كان خضوع الإنسان مجرّداً عن هذا الاعتقاد فلا يعدُّ خضوعه عبادة، بل يُعدُّ تعظيماً وتقديساً ولا يعتبر الإنسان الخاضع حينئذ مشركاً ولا عمله شركاً.

 

ولكن الجدير بالذكر أنّ هذا التعظيم والاحترام غير العبادي تارةً يكون جائزاً وحلالاً، كتعظيم الأنبياء والأولياء والمعلّمين والمربّين، وأُخرى يكون حراماً وغير جائز، مثل السجود  للأنبياء والأولياء، ولكن حرمة هذا العمل لا تنبع من كونه عبادةً، بل بسبب الدليل الذي حرم السجود لغير اللّه وأنّ ما سواه سبحانه لا يستحقّ السجود له.

 

من هنا وبعد أن اتّضح الفرق بين التعظيم والعبادة نصل إلى النتيجة التالية، وهي: إنّ بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان من قبيل تقبيل القرآن الكريم أو أضرحة الأنبياء والأولياء وما يتعلّق بهما لا يُعدُّ عبادة إذا لم يكن مقترناً باعتقاد الإلوهية أو الربوبية أو التفويض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] . الأعراف: 59.

[2] . المائدة: 72.

[3] . الأنبياء: 92.

[4] . آل عمران:51، وآيات أُخرى بنفس المضمون كما في سورة يونس:99، الحجر:65، مريم:36، والزخرف: 64.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد