من التاريخ

دعاء المظلوم على الظالم

 

«كان المتوكّل العبّاسي يُحظي الفتحَ بن خاقان عنده، فأمر جميع أشراف مملكته بسرّ من رأى أن يخرجوا مشاةً بين يديه، وأن لا يركب أحدٌ إلا هو وابن خاقان خاصّة! ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجّالة، وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليّ بن محمّدٍ الهادي عليه السلام.
قال زرافة (من خواصّ المتوكّل وكان يودّ الإمام الهادي سرّاً): فأقبلتُ إليه وقلت: يا سيّدي، يعزّ واللهِ علَيّ ما تلقى من هؤلاء الطغاة، وما قد تكلّفته من المشقّة. 
وأخذتُ بيده فتوكأ عَلَيّ وقال: (يا زرافة، ما ناقةُ صالحٍ عندَ الله بأعظمَ قدْراً منّي).
فلمّا انصرفتُ إلى داري، ولِولدي مؤدّبٌ يتشيّع من أهل العلم والفضل، فتجارينا الحديثَ وذكرتُ له ما شاهدته من أبي الحسن عليه السلام، وما سمعته عن قوله في ناقة صالح. 
وكان المؤدب يأكل معي، فرفع يده وقال: (باللهِ إنك سمعتَ هذا اللفظ منه؟!).
فقلت له: (واللهِ سمعتُه يقول). فقال لي: (اعلم أن المتوكّل لا يبقى في مملكته أكثرَ من ثلاثة أيام، ويهلك. فانظُر في أمرك وأحرِز ما تريد إحرازه). فقلت له: (من أين لك؟).
فقال: (أما قرأتَ القرآن في قصّة صالحٍ والناقة، وقوله تعالى: ﴿..تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾. ولا يجوز أن يبطل قول الإمام).
قال زرافة: (فوَاللهِ ما جاء اليوم الثالث حتّى هجم المنتصر -ومعه بُغا ووصيف والأتراك- على المتوكّل فقتلوه وقطّعوه والفتحَ بن الخاقان، جميعاً، قِطَعاً، حتّى لم يُعرف أحدهما من الآخر... فلقيتُ الإمامَ أبا الحسن عليه السلام بعد ذلك وعرّفته ما جرى مع المؤدّب وما قاله. 
فقال: (صدَق، إنه لمّا بلغ منّي الجهدُ، رجعتُ إلى كنوزٍ نتوارثُها من آبائنا هي أعزّ من الحصون والسِّلاح والجُنن، وهو دعاءُ المظلوم على الظالم. فدعوتُ به عليه فأهلكَه اللهُ)...».
ـــــــــــــــــــ
في (مُهج الدعوات) للسيّد ابن طاوس

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد