من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

غدير خمّ، دراسة تاريخية، وتحقيق ميدانيّ (1)

مَعْلم من معالم التَّاريخ الإسلامي

في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من هذه السنة الجارية، وهي العاشرة والأربعمئة بعد الألف للهجرة الشريفة، تطل علينا ذكرى يوم الغدير الأغر، وقد مر عليها أربعة عشر قرناً.

ولهذه المناسبة الكريمة، ولأهميَّة يوم الغدير، تاريخياً وعقديّاً، رأيت أن أكتب عن موقع «غدير خم» بوصفه معلماً من معالم الحج والزّيارة التي كنت قد كتبت عن غير واحد منها، فقد ورد ـ كما سأشير ـ استحباب الصَّلاة في مسجد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، الواقع في غدير خم، والذي شيّد على الموضع الذي وقف فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وخطب بالناس خطبته المعروفة بـ «خطبة يوم الغدير»، ونصَّ فيها على ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

إضافة لما تقدَّم، فإن موضع «غدير خم» من المواضع الإسلامية التي شهدت غير موقف من مواقف النبي (صلي الله عليه وآله و سلم)، التي يمكننا تلخيصها بما يأتي:

1 ـ وقوعه في طريق الهجرة النَّبويَّة.

2 ـ وقوعه في طريق عودة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من حجَّة الوداع.

3 ـ وقوع بيعة الغدير فيه.

وكل موقف من هذه المواقف الثلاثة يمثِّل بُعداً مهمَّاً في مسيرة التاريخ الإسلامي، فالهجرة كانت البدء لانتشار الدَّعوة الإسلامية وانطلاقها خارج ربوع مكة، ومن ثم إلى العالم كلِّه. وحجَّة الوداع والعودة منها إلى المدينة المنورة كانت ختم الرسالة؛ حيث كمل الدِّين فتمَّت النِّعمة. وبيعة الغدير هي التمهيد لعهد الإمامة والإمام؛ حيث ينتهي عهد الرِّسالة والرَّسول.

ومن هنا اكتسب موضع «غدير خم» أهميته الجغرافية في التُّراث الإسلامي ومنزلته التكريمية بوصفه معلماً خطيراً من معالم التاريخ الإسلامي.

واشتهر الموقع بحادثة الولاية للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من شهرته موقعاً أو منزلًا من معالم طريق الهجرة النبويَّة، أو من طريق العودة من حجَّة الوداع.

وقد ذكر حادثة الولاية، أو بيعة الغدير، الكثير من المؤرِّخين، وممَّن أفردها بتأليف خاص وموسوعي المرحوم الشيخ الأميني في كتابه الموسوم بـ «الغدير في الكتاب والسنة والأدب»، ومما استعرضه فيه رواة الحادثة والمؤرخين لها، وقد بلغت رواية الحادثة، في عرضه، مستوى التواتر.

وقد أشار إلى الحادثة وتواتر روايتها غير واحد من علماء الحديث الثقات الأثبات. ومنهم الشيخ الإمام شمس الدين أبو الخير، محمد بن محمد الجزري، الدمشقي، الشافعي، المقرى (المتوفى سنة 813هـ) في كتابه «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب»، فقد جاء فيه ما نصُّه: «أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي، في ما شافهني به عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني، عن أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، عن أبي منصور القزاز، عن الإمام أبو بكر بن ثابت الحافظ، عن محمد بن عمر بن بكير، عن أبي عمر يحيى بن عمر الأخباري، عن أبي جعفر أحمد بن محمد الضبعي، عن الأشبح، حدثنا العلاء بن سالم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: سمعت علياً (رضي الله عنه) بالرَّحبة ينشد الناس: من سمع النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، فقام اثنا عشر بدرياً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم) يقول ذلك».

هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر أيضاً عن النبي (صلى الله عليه و آله وسلم)، رواه الجم الغفير.

ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممَّن لا اطّلاع له في هذا العلم، فقد ورد مرفوعاً عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وبريدة بن الخصيب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وحبشي بن جنادة وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وأسعد بن زرارة وخزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري وسهل بن حنيف وحذيفة بن اليمان وسمرة بن جندب وزيد بن ثابت وأنس بن مالك، وغيرهم من الصحابة (رضوان الله عليهم).

وصح عن جماعة منهم ممَّن يحصل القطع بخبرهم.

وثبت أيضاً أن هذا القول كان منه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم، وذلك في خطبة خطبها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقه ذلك اليوم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة إحدى عشرة لـمَّا رجع (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع.

وبعد هذه المقدّمة سيكون الحديث عن هذا الموضع الشريف في حدود المسائل الآتية: اسم الموقع. سبب التَّسمية. تحديد الموقع جغرافياً. وصف الموقع تاريخياً. وصف مشهد النَّص بالولاية. الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموقع. وصف الموقع الراهن. الطرق المؤية إليه..

 

اسم الموقع

1 ـ اشتهر الموضع باسم «غدير خم»، ففي حديث «السيرة لابن كثير»: «قال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل: سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم، فخرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خباء أو فسطاط الخ».

وفي حديث زيد بن أرقم قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغدير خم تحت شجرات».

وكذلك في حديثه الآخر قال: «لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن الخ».

وفي شعر نُصيب:

وقالت بالغدير، غدير خم:     

أُخيَّ إلى متى هذا الركوبُ

ألم تَرَ أنَّني ما دمتَ فينا

أنام ولا أنام إذا تغيبُ!؟

وفي قول الكميت الأسدي:

ويوم الدوح دوح غدير خم     

أَبان له الولاية لو أطيعا

وضبط لفظ «خم»، في «لسان العرب» بفتح الخاء، ونقل عن ابن دريد أنه قال: «إنما هو خُمّ، بضم الخاء».

2 ـ كما أنَّه يسمَّى بـ «وادي خم»، أخذاً من واقع الموضع، قال الحازمي: «خم: وادٍ بين مكة والمدينة عند الجحفة، به غدير، عنده خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة».

وقد ورد هذا الاسم في حديث «السيرة لابن كثير» ونصه: «قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبد الله قال: قال زيد بن أرقم ـ وأنا أسمع ـ: نزلنا مع رسول الله منزلًا يقال له: وادي خم الخ».

وفي نص «المراجعات»: «وأخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم: قال: نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بوادٍ يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة، فصلاها بهجير الخ».

3 ـ وقد يطلق عليه «خم» اختصاراً، كما في كتاب «صفة جزيرة العرب»، فقد قال مؤلفه الهمداني، وهو يعدد بلدان «تهامة اليمن»: «ومكة: أحوازها لقريش وخزاعة، ومنها: مر الظهران، والتنعيم، والجعرانة، وسَرِف، وفخ، والعصم، وعسفان، وقديد، وهو لخزاعة، والجحفة، وخم، إلى ما يتصل بذلك من بلد جهينة ومحال بني حرب».

وكما في شعر معن بن أوس المزني:

عفا وخلا ممَّن عهدتَ به خمُّ  

وشاقك بالمسحاء من سَرِفٍ رسمُ

وفي قول المجالد بن ذي مران الهمداني من قصيدة قالها لمعاوية بن أبي سفيان، وقد رأى تمويهه وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان:

وله حرمة الولاء على النَّا

س بخم، وكان ذا القول جهرا

4 ـ وأطلق عليه، في بعض الحديث، اسم الجحفة من باب تسمية الجزء باسم الكل، لأن خمَّاً جزء من وادي الجحفة الكبير، كما سيأتي.

وقد جاء هذا في حديث عائشة بنت سعد الذي أخرجه النسائي في «الخصائص» ونصه: «عن عائشة بنت سعد: قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجحفة.. الخ».

ورواه ابن كثير عن ابن جرير بسنده بالنص التالي: «عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يوم الجحفة، وأخذ بيد علي.. الخ».

5 ـ ويقال له «الخرّار»، قال السكوني: «موضع الغدير غدير خم يقال له الخرّار».

ويلتقي هذا مع تعريف البكري للخرَّار حيث قال: «قال الزبير: هو وادي الحجاز يصب على الجحفة».

6 ـ ويختصر ناسنا اليوم الاسم فيطلقون عليه «الغدير».

7 ـ الغُرَبَة، بضم الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة، هكذا ضبطه البلادي، وهو الاسم الراهن الذي يسميه به أبناء المنطقة في أيامنا هذه، قال البلادي: «يعرف غدير خم اليوم باسم «الغُرَبَة»، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من البلادية من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرَّار».

ويقيّد لفظ «الغدير» بإضافته إلى «خم» تمييزاً بينه وبين غدران أخرى، قيِّدت، هي الأخرى، بالإضافة، أمثال: غدير الأشطاط: موضع قرب عسفان. غدير البركة: بركة زبيدة. غدير البنات: في أسفل وادي خماس. غدير سلمان: في وادي الأغراف. غدير العروس: في وادي الأغراف أيضاً.

وقد يطلق على غديرنا «غدير الجحفة»، كما في حديث زيد بن أرقم: «أقبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة.. الخ».

 

سبب التَّسمية

نستطيع أن نستخلص من مجموع التعريفات التي ذكرتها المعاجم العربية للغدير التعريف الآتي: الغدير: هو المنخفض الطبيعي من الأرض، يجتمع فيه ماء المطر أو ماء السيل، ولا يبقى إلى القيظ. ويجمع على غُدُر، بضم أوليه، وغُدْر، بضم أوَّله وسكون ثانيه، وأَغْدرة، وغُدْران. وعلَّلوا تسمية المنخفض يجتمع فيه الماء غديراً بـ:

1 ـ إنَّه اسم مفعول لمغادرة السيل له، أي أن السيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره، بمعنى يتركه بمائه.

2 ـ إنه اسم فاعل «من الغدر لأنه يخوّف ورّاده فينضب عنهم، ويغدر بأهله، فينقطع عند شدة الحاجة إليه».

وقوّاه الزبيدي في معجمه «تاج العروس» بقول الكميت:

ومن غدره نبز الأوَّلون  

بأن لقَّبوه الغدير الغديرا

وشرح معنى البيت بأن الشاعر «أراد (أن) من غدره نبز الأولون الغديرَ بأن لقبوه الغديرَ، فالغدير الأول مفعول نبز، والثاني مفعول لقبوه».

وسبب تسمية الموقع بالغدير لأنه منخفض الوادي.

أما «خم» فنقل ياقوت عن الزمخشري أنه قال: «خم: اسم رجل صباغ، أضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة».

ثم نقل عن صاحب «المشارق» أنه قال: «إن خمَّاً اسم غيضة هناك، وبها غدير نسب إليها».

والتعليل نفسه نجده عند البكري، فقد قال: «وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة، يسرة عن الطريق، وهذا الغدير تصب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهو الغيضة التي تسمَّى خمَّاً».

 

تحديد الموقع جغرافياً

نصَّ غير واحد من اللُّغويين والجغرافيين والمؤرِّخين على أن موقع غدير خم بين مكة والمدينة. ففي «لسان العرب ـ مادة خم»: «وخم: غدير معروف بين مكة والمدينة». وفي «النهاية لابن الأثير ـ مادة خم»: «غدير خم: موضع بين مكة والمدينة». وفي «معجم البلدان»: «وقال الحازمي: خم: وادٍ بين مكة والمدينة».

وفي المصدر نفسه: «قال الزمخشري: خم: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة».

ويبدو أنه لا خلاف بينهم في أن موضع غدير خم بين مكة والمدينة، وإنما وقع شيء قليل من الخلاف بينهم في تعيين مكانه بين مكة والمدينة، فذهب الأكثر إلى أنه في «الجحفة»، ويعنون بقولهم «في الجحفة»، أو «بالجحفة» وادي الجحفة، كما سيأتي. ومن هؤلاء: «ابن منظور في «لسان العرب ـ مادة: خم» قال: «وخم: غدير معروف بين مكة والمدينة، بالجحفة، وهو غدير خم». والفيروزآبادي في «القاموس المحيط ـ مادة: خم» قال: «وغدير خم: موضع على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين».

والزمخشري، في نصه المتقدم الذي نقله عنه الحموي في «معجم البلدان» القائل فيه: «خم: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة».

وفي حديث «السيرة لابن كثير»، المتقدم، «قال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم.. الخ».

وكما قلت، يريدون من «الجحفة»، في هذا السياق: الوادي لا القرية التي هي الميقات، وذلك بقرينة ما يأتي من ذكرهم تحديد المسافة بين غدير خم والجحفة، الذي يعني أن غدير خم غير الجحفة (القرية)، ولأن وادي الجحفة يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر، فيكون الغدير جزءاً منه، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه.

وتفرد الحميري في «الروض المعطار»، فحدَّد موضعه بين الجحفة وعسفان، قال: «وبين الجحفة وعسفان غدير خم».

وهو، من غير ريب، وَهْمٌ منه، وبخاصة أنه حدد الموضع بأنه على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق، حيث لا يوجد عند هذه المسافة بين الجحفة وعسفان موضع يعرف بهذا الاسم.

والظَّاهر أنه نقل العبارة التي تحدِّد المسافة بثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق من «معجم ما استعجم»، ولم يلتفت إلى أن البكري يريد بيسرة الطريق الميسرة للقادم من المدينة إلى مكة، وليس العكس، فوقع في هذا التوهُّم.

قال البكري، في معجمه: «وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق» وكما قلت، يريد بالميسرة جهة اليسار بالنسبة إلى القادم من المدينة إلى مكة بقرينة ما ذكره في بيان مراحل الطريق بين الحرمين ومسافاتها عند حديثه عن العقيق؛ حيث بدأ بالمدينة، قال: «والطريق إلى مكة من المدينة على العقيق: من المدينة إلى ذي الحليفة.. الخ».

ونخلص من هذا إلى أن غدير خم يقع في وادي الجحفة على يسرة طريق الحاج من المدينة إلى مكَّة، عند مبتدأ وادي الجحفة حيث منتهى وادي الخرّار.

ومن هنا كان أن أسماه بعضهم بالخرار، كما تقدم.

ولعل علة ما استظهره السمهودي من أن الخرار بالجحفة هو ما أوضحته، من أن غدير خم مبتدأ وادي الجحفة، وعنده منتهى وادي الخرار.

ويؤيد هذا الذي ذكرته قول الزبير الذي نقلته آنفاً عن «معجم ما استعجم» من أن الخرار وادٍ بالحجاز يصب على الجحفة. وقد يشير إلى هذا قول الحموي، في «معجم البلدان»: «الخرار.. وهو موضع بالحجاز، يقال: هو قرب الجحفة».

وعبارة عرّام التالية تؤكد لنا أن الغدير من الجحفة، قال، كما نقله عنه الحموي: «ودون الجحفة على ميل غدير خم، وواديه يصب في البحر»، حيث يعني بواديه وادي الجحفة لأنه هو الذي يصب في البحر حيث ينتهي عنده.

أمَّا المسافة بين موضع غدير خم والجحفة (القرية = الميقات) فحُدِّدت، في ما لدي من مراجع، بما يأتي:

ـ حددها البكري، في «معجم ما استعجم» بثلاثة أميال، ونقل عن الزمخشري أن المسافة بينهما ميلان ناسباً ذلك إلى «القيل» إشعاراً بضعفه.

وإلى القول بأن المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في «معجمه» قال: «وغدير خم بين مكة والمدينة، بينه وبين الجحفة ميلان».

وقدّر الفيروزآبادي المسافة بثلاثة أميال، قال في «القاموس ـ مادة: خم»: «وغدير خم: موضع على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين».

وقدّرها بميل كل من نصر وعرّام، ففي (تاج العروس ـ مادة خم): «وقال نصر: دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين».

وفي «معجم البلدان»: «وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم».

وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة أمر طبيعي، لأنه يأتي، عادة، من اختلاف الطريق الذي يسلك، وبخاصة أن وادي الجحفة يتسع بعد الغدير، ويأخذ بالاتساع أكثر حتى قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتى البحر، فربما سلك أحدهم حافة الجبال فتكون المسافة ميلًا، وقد يسلك أحدهم وسط الوادي فتكون المسافة ميلين، ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد