كثر التحامل على أهل البيت عليهم السّلام، وعلى عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وزوجته البضعة الزهراء سيّدة النّساء عليها السّلام، وولديهما السّبطين الحسن والحسين عليهما السّلام ريحانتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وذريّتهم الأئمة الطاهرين (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين).
فمن التحامل على الآل عمومًا: أنه إذا ذكر ذاكر فضيلة لأحدهم أو مزية امتاز بها امتقعت الوجوه وجاشت الصدور، وإذا روى راوٍ شيئًا من هذا القبيل رمي بالكذب والغلوّ، وإذا استدلّ مستدلّ بما روته الأئمة من علماء المسلمين في فضلهم ومناقبهم عمدوا أولًا إلى سنده فقدحوا فيه جهد الاستطاعة ولو كان صحيحًا، ثم إلى تأويله ولو بالوجوه الضعيفة والتأويلات البعيدة ولو كانت دلالته واضحة، وإذا مرّوا بالآيات الواردة فيهم عليهم السّلام صرفوها عنهم، كما قالوا في آية التطهير إنها واردة في نسائه صلى اللّه عليه وآله وسلّم رغمًا عن تذكير الضمير وعن الأخبار الكثيرة الدالة على ورودها في الآل، وفي آية المباهلة أنها معارضة بإجماع مزعوم كما فعله الرازي، أو هوّنوا من شأنها.
ومن التحامل عليهم عليهم السّلام عدم ذكرهم في الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم من الأكثر نطقًا وكتابة، فإذا ذكروا ذكر معهم الصحب مع ورود النهي عن عدم ذكرهم وتسميتها بالصلاة البتراء.
ومن التحامل عليهم أنه إذا روى راوٍ شيئًا من خوارق العادة لهم عليهم السّلام قيل: هذا غلوّ، وهذا حديث منكر، وصاحبه يروي المناكير، ورمي بالإنكار عن قوس واحد.
وإذا روى صاحب إرشاد السّاري في شرح صحيح البخاري: أن بعض الصحابة كانت تحدّثه الملائكة حتّى اكتوى فلما ترك ذلك عادت، تلقى بالقبول ولم يقل أحد إنّه منكر أو فيه غلوّ أو مبالغة.
وإذا ذكر ابن خلدون في مقدمته: أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: إن فيكم محدّثين، لم يستنكر ذلك أحد.
وإذا روى الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: أن الخضر كان يمشي مع عمر بن عبد العزيز يسدّده يراه هو ولا يراه النّاس إلاّ بعض الصلحاء، عدّوا ذلك منقبة لعمر بن عبد العزيز ولم ينكره أحد.
وإذا قال قائل: إن المهدي من آل محمّد صلى اللّه عليه وآله و سلّم عاش طويلًا كالخضر يراه النّاس ولا يعرفونه بشخصه إلاّ بعض الصلحاء نسب إلى السّخف، كلّ ذلك خارج عن دائرة الإنصاف، داخل في حيز التحامل والاعتساف.
ومن التحامل عليهم عليهم السّلام أنه لم يعد مذهبهم ومذهب فقهائهم مع المذاهب التي حصر التقليد فيها، مع أن أئمة أهل البيت عليهم السّلام إن لم يكونوا أعلم من أهل المذاهب الأربعة فلا ينقصون عنهم، بل مذهبهم أولى بالاتباع من بقيّة المذاهب لأنهم أخذوه عن آبائهم عن جدّهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم عن جبرائيل عن اللّه تعالى كما قال الشيخ البهائي:
ووال أناسًا قولهم وحديثهم
روى جدّنا عن جبرائيل عن الباري
وفيهم الّذين اشتهروا بالفقه والتبحر في سائر علوم الدين كالإمام محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وابنه الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام. وروى جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام سبعين ألف حديث، وسمّي الباقر لأنه بقر العلم بقرًا أي توسّع فيه، سمّاه بذلك جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم. وروى أبان بن تغلب عن الصّادق عليه السّلام ثلاثين ألف حديث، وقال الوشا من أصحاب حفيده الإمام الرضا عليه السّلام: أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد، هذا ما أدركه راو واحد في عصر متأخر.
وجمع الحافظ ابن عقدة أربعة آلاف رجل من الثقات الّذين رووا عن جعفر عليه السّلام نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ومع ذلك لم يعدوا مذهبهما ومذاهب سائر أئمة أهل البيت عليهم السّلام في عداد مذاهب الفقهاء، بل ولا سووهم على الأقل بمحمّد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف وأمثالهم، مع أنهم مفاتيح باب مدينة العلم ومن علماء العترة التي لا يضلّ المتمسّك بها، كما لا يضلّ المتمسّك بكتاب اللّه تعالى بنصّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وفي هذا من التحامل وقلة الإنصاف ما لا يحتاج إلى بيان: وقالوا في علماء المذاهب الأربعة:
وكلّهم من رسول اللّه ملتمس
فيضًا من البحر أو قطرًا من الديم
ولم يجعلوا أحدًا من أئمة أهل البيت عليهم السّلام ملتمسًا من علوم جدّه لا فيضًا من البحر ولا قطرًا من الديم، مع أن أباهم باب مدينة علم جدّهم وهم دخلوا تلك المدينة من ذلك الباب والتمسوا من ذلك البحر العباب.
وصوّر الشعراني في ميزانه عين الشريعة وجعل لها سواقي إلى كلّ من الأئمة الأربعة، وإلى الثوري، وابن عيينة، وابن جرير، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، والشعبي، وإسحق، وعائشة، وابن عمر، وابن مسعود، وعطاء، ومجاهد، والليث، وداود، فكل هؤلاء يستقي من عين الشريعة ولم يذكر أحدًا من أئمة أهل البيت، كالسّجاد، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضا وغيرهم ولا أمهم الزهراء البتول بضعة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولا ابن عباس حبر الأمة الّذي قيل فيه إنّه يحفظ ثلثي علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وجعلهم محرومين من عين شريعة جدّهم مطرودين عنها....
ومن التحامل على أمير المؤمنين عليه السّلام إنكار سبقه إلى الإسلام، وانفراده بسدّ الأبواب إلاّ بابه، وعدم الاعتناء بمبيته على الفراش ليلة الغار وعدم التنويه بذلك، ورواية ما يقتضي مشاركته في الفضائل التي انفرد بها، مثل: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، ومثل: أقضاكم علي، فأضيف إليها وأقرأكم زيد، وتشريك غيره معه في الشجاعة فيقال: كشجاعة عليّ وخالد، والتهوين من شجاعته وبلائه يوم بدر ومناظرة ذلك بالعريش، وتطلب الأعذار لمن نازعه وحاربه وسبّه على المنابر بالاجتهاد، وإنكار تفضيله على جميع الصحابة تارة بالإجماع وأخرى بروايات مصادمة للبديهة، وثالثة بتأويل الفضل بأكثرية الثواب، وحمل قصة براءة على عادات العرب التي جاء الإسلام لمحوها إلى غير ذلك ممّا يجده المتتبع المنصف.
ومن التحامل على الزهراء عليها السّلام تفضيل إحدى أمهات المؤمنين عليها مع ما ورد إنها سيّدة نساء العالمين.
ومن التحامل على السبطين عليهما السّلام رواية ما يعارض حديث أنهما: سيّدا شباب أهل الجنّة إلى غير ذلك.
ولسنا نريد بما ذكرناه استقصاء مواقع التحامل على أهل البيت عليهم السّلام فإن ذلك أمر يطول شرحه ولا تفي به هذه العجالة وإنما نريد ذكر نموذج من ذلك.
وإذا ساقت التقادير أحدًا إلى الاعتراف ببعض هذه الحقائق، مزجه بالتحامل على شيعتهم وأتباعهم وأساء القول فيهم، ولم يتفطن إلى أن بغض التابع نوع من بغض المتبوع، وأن من أحبّ شخصًا أحبّ محبّه.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان