أبو بكر وعتق سلمان
وبعد كل ما تقدم، فإننا نعرف أن دعوى أن أبا بكر قد اشترى سلمان، فأعتقه، لا يمكن أن تصح بأي وجه.. ويكفي في ردها حديث كتاب المفاداة المتقدم، بالإضافة إلى النصوص الآنفة الذكر.. إلى جانب النصوص الأخرى، التي تدعي: أنه قد أعانه الصحابة ورسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى أدى ما عليه من مال الكتابة، وإن كان اتضح: أنها أيضاً غير خالية عن المناقشة..
لماذا يكذبون
ولعل أهمية سلمان، وعظمته وجلالته في المسلمين، قد جعلت البعض يرغبون في أن يجعلوا للشخصيات التي يحترمونها، ويهتمون في حشد الفضائل لها، نصيباً في هذا الرجل الفذ، وفضلاً لها عليه.. حتى ولو كان ذلك على حساب كرامات وفضائل رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، فإن الإغرة على بعض فضائله وكراماته «صلى الله عليه وآله»، ونسبتها إلى غيره، لا تنقص من شأنه - بزعمهم - شيئاً؛ إذ يكفيه شرفاً أنه النبيّ الهادي لهذه الأمة، وأنه رسول الله.
كما أن ذلك يمكن أن يكون ردة فعل على تلك الرواية التي لا يجدون دليلاً ملموساً على ردها وتكذيبها، والتي تقول: إنه أسلم في مكة، وحسن إسلامه؛ وأن النبيّ «صلى الله عليه وآله» شاوره - امتحاناً له - فيمن يبدأ بدعوته في مكة، فجال سلمان في أهل مكة يَخبُرهم ويشيرهم، ويجتمع مع النبيّ «صلى الله عليه وآله» وأبي طالب لهذا الغرض، ثم أشار بدعوة أبي بكر؛ لأنه معروف بين العرب بتعبير الأحلام، وهم يرون فيه ضرباً من علم الغيب، مع معرفته بتواريخ العرب وأنسابها، بالإضافة إلى أنه معلم للصبيان، ويطيعه ويجلّه من أخذ عنه من فتيانهم، ولكلامه تأثير فيهم؛ فإذا آمن فلسوف يكون لذلك أثره، ولسوف تلين قلوب كثيرة.. لا سيما وأن معلمي الصبيان راغبون في الرياسة، فاستصوب النبيّ «صلى الله عليه وآله»، وأبو طالب ذلك، وشرح سلمان في دلالة الرجل، وإدخاله في الإسلام.
فلعل سلمان - كما تدل عليه هذه الرواية، ويظهر من غيرها - كان في بدء أمره في مكة وأسلم هناك، ثم انتقل إلى المدينة. وعن تقدم إسلام سلمان، نجد عدداً من الروايات تشير إلى ذلك. ومن ذلك: أن أعرابياً سأل النبيّ «صلى الله عليه وآله» عنه فقال: أليس كان مجوسياً، ثم أسلم؟! فقال «صلى الله عليه وآله»: يا أعرابي، أخاطبك عن ربي، وتقاولني؟! إن سلمان ما كان مجوسياً، ولكنه كان مضمراً للإيمان، مظهراً للشرك.
وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد، على علم سلمان وفضله، ومقامه الشامخ في الإيمان، والإسلام والمعرفة.. وعلى زهده وتقواه وعلى كريم خصاله وحميد فعاله..
وهناك أيضاً أحداث وقضايا ومواقف كثيرة تثبت ذلك وتؤكده، كما وتثبت بُعد نظره «رحمه الله»، وثاقب فكر ، ونفاذ بصيرته..
ولا نريد هنا أن نستقصي ذلك كلّه بالدراسة والتحليل، فإنه أمر متعسر، بل متعذر علينا فعلاً، وإنما نريد ذكر نموذج من ذلك تذكرة لأنفسنا، ووفاء منا لحقيقة وللتاريخ، ونترك سائر ذلك إلى جهد الباحثين، وعناء الدارسين.. فنقول:
إذا اقتتل القرآن والسلطان
قال سلمان لزيد بن صوحان: كيف أنت يا زيد إذا اقتتل القرآن والسلطان؟!
قال : أكون مع القرآن
قال : نعم الزيد أنت إذن..
إن هذا النص يعطينا أن سلمان قد وضع إصبعه على أمر دقيق وهام للغاية، وله دور أساس ورئيسي في تكوين شخصية الإنسان المسلم، وله تأثير مباشر، وقوي فيما يتخذه من مواقف، وفيما يقوم به من أعمال.
ثم هو يمس بالتالي، مستقبل الأمة الإسلامية ومصيرها، ومستوى ومنطلق ونوع تعاملها في القضايا الكبرى، التي تواجهها، هذا عدا عن مساسه بالتركيبة السياسية، التي لا بد وأن تترك آثاراً كبيرة وعميقة على المجتمع المسلم، وعلى جميع خصائصه، وأوضاعه بصور عامة.
وذلك لأن إلقاء نظرة فاحصة على حالات الناس وأفكارهم، وخصوصاً في تلك الفترة، توضح لنا أن الناس كانوا على حالات شتى.
ففريق منهم لا يرى الحق والخير، إلا من خلال ذاته ونفسه، فهو المعيار والميزان والمحور لذلك، فمبقدار ما يجلب له نفعاً، ويدفع عنه ضراً في هذه الحياة الدنيا، فهو خير وحق، وحسن ومقبول، تجب نصرته على كل أحد، ولا ضير في أن يضحي الآخرون بكل غالٍ ونفيس - حتى بأنفسهم - من أجله، وفي سبيله.. شرط أن لا تصل النوبة إلى شخص هؤلاء بالذات، لأن المفروض هو أن المسؤولية، كل المسؤولية، تقع على عاتق الآخرين دونهم.
وهكذا فإن القرآن والإسلام لا يمثل لهذا النوع من الناس شيئاً، إلا بالمقدار الذي يتفق مع هذه النظرة، ويحقق لهم هذه النتائج، حتى إذا رأوا أن مصالحهم الخاصة ومآربهم الشخصية تتعرض للخطر، فإن على القرآن والإسلام والحق أن يتراجع، وأن يعترف بأنه مخطئ، بل ومسرف في الخطأ، وحيث لا بد من احترام القرآن والإسلام، فلا أقل من اتهام المسلمين، والعلماء وغيرهم بالخطأ، أو بتعمد الخطأ في فهمهما..
وفريق آخر يرى أن الحق كل الحق دائماً في جانب القوي ومعه؛ فلا بد من إعطاء الحق لذي الحق مهما كلف الأمر، ومهما تكن النتائج.
وذلك بسبب ضعف في نفوس هذا النوع من الناس، وانهزام في ذواتهم وشخصياتهم..
وفريق ثالث قد أحاط الحاكم بهالة من الاحترام والقداسة، لا لشيء إلا لأنه حاكم ومتسلط، ويدين الله بالخضوع له، والالتزام بأوامره، والانتهاء إلى نواهيه؛ وذلك لأنه قد خدع بما حاول الحكام أن يشيعوه، من أن سلطتهم سلطة إلهية، مفروضة على الناس، لا يمكن لهم الخلاص منها، لأن تلك هي إرادة الله سبحانه ومن هنا فإن الله سبحانه قد طلب من الناس أن يُدخلوا في عقائدهم وأحكامهم، عقيدة عدم جواز الخروج على السلطان، من كان ومهما كان، لأنه يمثل إرادة الله سبحانه على الأرض، فمعصيته والاعتراض عليه يوجب العقاب والعذاب الأليم يوم القيامة..
بل لقد حاول البعض أن يقول: إنه ليس على السلطان - الخليفة - عذاب ولا عقاب يوم القيامة، مهما فعل من موبقات، ومهما اقترف من جرائم.
وبعد ذلك كله.. فقد كان سلمان يعي وجود هذا التيارات المنحرفة في المجتمع الإسلامي، ويعرف في المسلمين ما يعطي أن كثيراً منهم يتعامل مع الأمور من خلال هذه النظرة، أو النظرية، أو تلك.. وهو يعتبر أن ذلك انحراف عن الخط الإسلامي القويم، لأن الإسلام يرفض أن يعتبر الإنسان نفسه وذاته كشخص محوراً للحق والباطل والخير والشر.
ويرفض أيضاً أن يصبح الإنسان المسلم على درجة من الضعف والانهزام، إلى حدّ أن يعتقد أن الحق للقوي، ومعه.. ويرفض كذلك تقديس الحاكم لمجرد كونه حاكماً، فإن القداسة ما هي إلا بالتزام طريق الاستقامة والتقوى، والعمل الصالح.. كما ويرفض أيضاً نظرية الجبر الإلهي في حاكمية الطغاة والجبارين والمستبدين والمنحرفين..
نعم إن سلمان يعي ذلك كله، فينطلق من موقع المربّي والمسؤول، في محاولة اكتشاف أي خلل أو خطل حتى في مثل شخصية زيد الرجل العظيم والمتميز، فيحاول أن يثير فكره ووعيه، وأن يرصده بدقة ليعرف إن كانت شخصيته قد تلوثت بهذه الأوبئة، وتأثرت بهاتيك الانحرافات من أجل أن يعالجه بالدواء الناجع بعد معرفة الداء، إن كان..
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان