كانت يثرب دار هجرة النبي صلّى اللّه عليه وآله المركز العام للثقافة الإسلامية، فمنها امتدت الحركة العلمية والثقافية إلى سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي. وكان جامع النبي صلّى اللّه عليه وآله هو المعهد الأعلى الذي يتلقى فيه المسلمون شؤونهم الدينية والعلمية، كما كان مركزًا لإدارة شؤون الدولة، والنظر في قضاياها السياسية والعسكرية...
وقد اتخذ المسلمون هذا الجامع العظيم معهدًا لهم في كثير من فترات تأريخهم، فكان أئمة أهل البيت عليهم السّلام يلقون فيه محاضراتهم القيمة التي تناولت كثيرًا من العلوم والمعارف، وقد جعله الإمام الصادق عليه السّلام مركزًا لجامعته الكبرى التي ضمت أربعة آلاف طالب، وفيهم من أئمة المذاهب الإسلامية كأبي حنيفة، ومالك، وسفيان بن عيينة..
وكذلك كان الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام يلقي في بهوه دروسه العلمية، وإلى جانب المسجد النبوي كان جامع قبا، فقد كان منتدى للوفود ومركزًا للحلقات الدراسية، وفيه فقّه النبي صلّى اللّه عليه وآله أصحابه، وأرسلهم إلى مختلف أنحاء الجزيرة لينشروا دينهم العظيم ويدعوا الناس إلى فعل الخير والنهي عن المنكر.
قد كانت الجوامع هي المعاهد العامة للتعليم، وقد انتشرت في معظم المدن الإسلامية، وكان من أهمها جامع الكوفة، فقد التحق به كبار المتخرجين من مدرسة الإمام الصادق عليه السّلام، وكان عددهم تسعمائة عالم كما حدثنا بذلك الحسن بن علي الوشا، قال: «أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد...» «1».
وأحصى المقدسي في المسجد الجامع بالقاهرة وقت العشاء مائة وعشرة مجالس من مجالس العلم «2» وكان جامع المنصور ببغداد أشهر مركز للتعليم في المملكة الإسلامية، وقد جلس فيه إبراهيم بن محمد المعروف بنفطويه خمسين سنة يلقي فيه دروسه «3».
وتعتبر أول مؤسسة علمية في الإسلام «دار القرآن» فقد أسست لتعليم القرآن الكريم، وكان بعض القراء يسكنون فيها، لأجل التعليم، يقول المستشرق (دييس): ويظهر أنه قد وجدت منذ فجر الإسلام أمكنة كانوا يجتمعون فيها لاستظهار القرآن وتدارسه، ولا شك في أن هذه المواضع كانت كالمدارس الأولية يتعلمون فيها مبادئ القراءة وأصول الكتابة العربية، كما يحدثنا الواحدي، ويذكر أن عبد اللّه بن أم مكتوم كان يسكن دار القرآن بالمدينة «4».
إن موضوع الدين لم يكن وحده موضع الدراسة في تلك الجوامع، وإنما كان للندوات الأدبية والموضوعات اللغوية والشعرية نصيب كبير فيها «5» كما كان لسائر العلوم العقلية نصيب فيها كعلم الكلام والفلسفة وعلم الطب والنبات وغيرها.
ولما اتسعت الحركة العلمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي أنشأت الحكومات الإسلامية المعاهد والمدارس في كثير من المناطق الإسلامية، وقد اتخذ الشريف الرضي دارًا أسماها (دار العلم) وفتحها لطلبة العلوم وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه «6» وكان كل جامع أو معهد علمي مزودًا بمكتبة كبيرة تضم جميع أنواع العلوم، وكانت عادة العلماء أنهم يوقفون كتبهم على الجوامع «7» وعمل القاضي ابن حيان في مدينة نيسابور دارًا للعلم وخزانة كتب ومساكن للغرباء الذين يطلبون العلم وأجرى لهم الأرزاق «8».
هذه بعض معاهد التعليم، ومراكز الثقافة في الإسلام - تحدثنا عنها بإيجاز - وقد عملت على إشاعة العلوم، وبلورة الفكر، وتقدم الإنسان المسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حياة الإمام موسى بن جعفر: 1 / 81.
(2) المقدسي: ص 205.
(3) الإرشاد لياقوت: 1 / 308.
(4) دائرة المعارف الإسلامية: 3 / 401.
(5) تعليم الكبار والتربية الأساسية: ص 12.
(6) ديوان الشريف الرضي: ص 3.
(7) وفيات الأعيان: 1 / 55.
(8) الحضارة الإسلامية: 1 / 311.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان