مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الغزو الثّقافيّ المعاصر، والموقف منه

 

الدّكتور عبد الهادي الفضلي
ما هو موقفنا من الكُتب والبُحوث التي أُلِّفت وكُتبت من قِبل أناسٍ مسلمين في أيّامنا هذه، محاولةً منهم لنقد الفكر الإسلاميّ في مجالات العقيدة، والتّشريع، والأخلاق؟
* هل جميعُ هذه الكُتب تُعدّ غزواً ثقافيّاً؟
* وهل كلّ ما يُعدّ غزواً ثقافيّاً يُحكم على صاحبه شرعاً بالارتداد؟
* ثمّ ما هو موقفنا من هذا الغزو الثّقافيّ فكريّاً؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه لمعرفة موقفنا منه، بصفتنا مسلمين علينا أن نحافظ على ثقافتنا وندافع عنها».

تتشعّبُ الإجابة عن هذه التّساؤلات إلى:
1- توضيحُ بيانات الحكم الشّرعيّ ومستلزماته.
2- بيانُ حكم الرّدّ ومسؤوليّته فكريّاً.
وجواباً عن السّؤال الأوّل، نقول: لا بدّ هنا:

أوّلاً: تشخيصُ الموضوع الّذي يُراد الحُكم عليه من ناحيةٍ شرعيّة. وهو أمرٌ طبيعيّ لأنّ إصدار الحكم مسؤوليّة أمام الله تعالى، تُوجب التّأكّد والتّثبّت من أنّ الموضوع يستحقّ الحكم الّذي سيُحكم عليه به.
وتشخيص الموضوع في مثل هذه القضايا يتطلّب إحالةَ البحث، كتاباً أو غيره، إلى بيّنةٍ عادلةٍ خبيرةٍ، تُحيط بمحتوى البحث، من حيث المعنى ومن حيث العبارة.


ثانياً: على القاضي أو الحاكم أن يتأكّد من أنّ ما يستوجبُ الحكمَ بالكفر لم يأتِ عن شبهةٍ علقتْ في ذهن الباحث أو الكاتب.

ثالثاً: أن يتأكّد أيضاً من أن لا يكون الموضوع من المسائل الاجتهاديّة الّتي تقبل التّأويل.

رابعاً: عند ثبوت الإدانة وبكلّ وضوح، يأتي دور الوليّ الفقيه ووليّ الأمر اللّذَين لهما الكلمة الفصل في إقرار الحكم ونوعيّته ومستواه، وبخاصّة إذا كان الموضوع له علاقة بجانبٍ سياسيٍّ يقتضي أن يرجع في تحديد الموقف منه إلى الوليّ الفقيه، أو وليّ الأمر.
وفي هدْيِ ما تقدّم، عرفنا أنّ تشخيص الموضوع لا بدّ منه، لأنّه الّذي يحدّد لنا أنّ هذا الكتاب أو البحث هو ممّا يوجب الحكم على صاحبه بالكفر، أو لا يوجب ذلك.
وموقف صاحبه من المخالفات الّتي فيه، وشخصيّته من حيث الاعتقاد بمضامين هذه المخالفات، هل هي عن شُبهة أو ليست كذلك، هي الّتي تحدِّد لنا إيجاب الحكم عليه أو عدمه.

كما يحدّد لنا هذا أنّه إذا كانت الكتابة بدافعٍ سياسيٍّ لأجل تشكيك المسلمين بدينهم، فيكون غزواً ثقافيّاً، أو هو ليس كذلك فلا يُعدّ غزواً ثقافيّاً.
وهنا أودّ أن أشير - إغلاقاً لباب الفوضى في الإفتاء وإصدار الأحكام - إلى أنّ إصدار أيّ حكم أو أيّة فتوى في مثل هذه القضايا، هي من حقّ الوليّ الفقيه، أو قضاء الدّولة، بعد مصادقة الوليّ الفقيه عليه.
وهذا يعني أنّ أيّ حكم أو فتوى تصدر عن غير الوليّ الفقيه في هذه القضايا وما يُماثلها، إذا لم تُعتَمد من قِبله، لا يُعتمد عليها.
ويستند هذا إلى أنّ النّيابة العامّة عن الإمام المعصوم عليه السّلام، عند اختيار الوليّ الفقيه من قِبل المعنيّين بذلك، تنحصر فيه وتقتصر عليه، وهو أمرٌ واضح.
هذه خلاصةُ ما يرتبط بشؤون الحكم.

مسؤوليّة ردِّ الغزو الثّقافيّ
أمّا ما يتعلّق بالرّدّ فكريّاً، فنقول:
أوّلاً: إنَّ الرّدَّ مسؤوليّةُ الدّولة الإسلاميّة، لأنّ الغزو الثّقافيّ لا يختلف في خطورته وأضراره عن الغزو العسكريّ، فكما أنّ صدّ الغزو العسكريّ هو مسؤوليّة الدّولة بالدّرجة الأولى، كذلك صدّ الغزو الثّقافي هو مسؤوليّة الدّولة بالدّرجة الأولى، لأنّ الملاكَ فيهما واحد.
ثانياً: وفي حالة عدم وجود دولة إسلاميّة، تنتقل مسؤوليّة الرّدّ إلى المرجع الدِّينيّ الأعلى – عندنا معاشر الإماميّة - لأنّه النّائبُ عن الإمام المعصوم عليه السّلام، والّذي يقومُ مقاَمه في تحمّل مسؤوليّاته، الّتي منها الدّفاع عن العقيدة.
وعند الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه العامّة - كما هو الحقّ - يكون المرجعُ الأعلى هو الوليُّ الفقيه، وتَقدَّم بيانُ وظيفتِه في ذلك.

من التّجارب المعاصرة
ومن التّجارب الّتي ينبغي أن تُذكر هنا، تجربتان رائعتان، هما:

1- موقف الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف ضدّ الغزو الثّقافيّ الشّيوعيّ في أواخر الخمسينات من القرن العشرين الميلاديّ، بقيادة المرجع الدِّينيّ الكبير السّيّد محسن الحكيم (ت: 1390 هجريّة)، فقد أُلِّفت من الكُتب في نقد الفكر الشُّيوعيّ والرّدّ على كتابات الشّيوعيّين ما فيه الكفاية، وزيادة، بأمرٍ منه قدّس سرّه، ونُشرت بتمويله. أهمُّ هذه المولّفات كِتابا (فلسفتنا) و(اقتصادنا) للشّهيد السّعيد السّيّد محمّد باقر الصّدر. كذلك صَدرت عدّة مجلّات دوريّة بأمره وتمويله وأهمُّها (الأضواء)، مجلّة جماعة العلماء. وبأمره ورعايته شُكّلت «جماعة العلماء» برئاسة الشّيخ مرتضى آل ياسين، وعضويّة السّيّد محمّد تقي بحر العلوم، والشّيخ حسين الهمدانيّ في هيئتها العليا، وأصدرت في مجال صدّ الغزو الثّقافي الشّيوعي منشورَها الأسبوعيّ الّذي كان يكتبه السّيّد محمّد باقر الصّدر، ويُذاع عن طريق الإذاعة العراقيّة ببغداد، ويوزَّع عن طريق البريد العراقيّ على مختلف أنحاء البلاد، وعلى مختلف العشائر العراقيّة عن طريق مبعوثِي «جماعة العلماء». يُضاف إلى ذلك كلّه، فتوى العلماء من الفريقين ضدّ الشيوعيّة، وفي طليعتها فتوى الإمام الحكيم نفسه.
كلّ هذ الأعمال وأمثالها استطاعت أنْ تصدّ الغزو الثّقافيّ الشّيوعيّ المُشار إليه.

2- أمّا التّجربة الثّانية: فهي الثّورة الشّعبيّة الإيرانيّة بقيادة الإمام الخمينيّ العظيم (ت: 1409 للهجرة) الّتي أطاحت بإمبراطوريّة الشّاه المقبور محمّد رضا بهلوي، فأنهتْ بذلك غزوَ الحضارة العلمانيّة الغربيّة والشّرقيّة، وقضتْ على النّفوذ الاستعماريّ الأميركيّ. وتمّ ذلك - بالدّرجة الأولى - بالثّورة الثّقافيّة الإسلاميّة الّتي فجّرها الإمام الخمينيّ. ولا تزال هذه الثّورة الثّقافيّة الإسلاميّة حتّى اليوم تقوم بدور صدِّ الغزو الثّقافيّ الغربيّ للعالم الإسلاميّ.
وقد وسّع المرجع القائد السّيّد الخامنئيّ حفظه الله من مجالاتها، وأمَدَّ في أبعادها، حتّى وصلت إلى دور إعطاء الصّورة المُشرقة والمشرِّفة عن مدى قدرة الإسلام على تنظيم الحياة، وإدارة شؤون النّاس.
وفي المرحلة الأخيرة يكون الرّدُّ من مسؤوليّة أبناء المجتمع الإسلاميّ من باب الحسبة.
هذا ما كنت أودّ أن أثيره حول مسألة الغزو الثّقافيّ العلمانيّ، ليكون توطئةً لدراساتٍ فقهيّةٍ أعمق وأوسع، واللهُ تعالى وليّ التّوفيق، وهو الغاية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد