الشيخ محمد مهدي النراقي
شواهد الكتاب والسنة ناطقة بأن اللّه - سبحانه- يحب العبد ، كقوله - تعالى- : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة : 54] ، وقوله - تعالى- : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ } [الصف : 4] ، وقوله - تعالى- : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة : 222] ، وقوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران : 31] .
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إن اللّه يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطى الإيمان إلا من يحب» ، وقال (صلى الله عليه وآله): «اذا أحب اللّه عبدًا لم يضره ذنب» وقال (صلى الله عليه وآله): «اذا أحب اللّه عبدًا ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن رضى اصطفاه» ، وقال (صلى الله عليه وآله): «من أكثر ذكر اللّه أحبه اللّه» ، وقال (صلى الله عليه وآله) حاكيًا عن اللّه : «لا يزال العبد يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به» ، وقال (صلى الله عليه وآله): «إذا أحب اللّه عبدًا ، جعل له واعظًا من نفسه ، وزاجرًا من قلبه ، يأمره وينهاه» .
ثم حقيقة الحب - وهو الميل إلى موافق ملائم - غير متصور في حق اللّه - تعالى- ، بل هذا إنما يتصور في حق نفوس ناقصة ، واللّه - سبحانه- صاحب كل جمال وكمال وبهاء وجلال ، وكل ذلك حاضر له بالفعل أزلًا وأبدًا ، إذ لا يتصور تجدده وزواله ، فلا يكون له إلى غيره نظر من حيث إنه غير، بل ابتهاجه بذاته وصفاته وأفعاله ، وليس في الوجود إلا ذاته وصفاته وأفعاله ، ولذلك قال بعض العرفاء - لما قرئ قوله - تعالى- : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة : 54] : «نحن نحبهم ، فإنه ليس يحب إلا نفسه» ، على معنى أنه الكل وأنه في الوجود ليس غيره ، فمن لا يحب إلا ذاته ، وصفات ذاته ، وأفعال ذاته وتصانيف ذاته ، فلا يجاوز حبه وذاته وتواضع ذاته من حيث هي متعلقة بذاته ، فهو إذًا لا يحب إلا ذاته ، وليس المراد من محبة اللّه لعبده هو الابتهاج العام الذي له- تعالى- بأفعاله له، إذ المستفاد من الآيات والأخبار : أن له - تعالى - خصوصية محبة لبعض عباده ليست لسائر العباد والمخلوقات فمعنى هذه المحبة يرجع إلى كشف الحجاب عن قلبه حتى يراه بقلبه ، وإلى تمكينه إياه من القرب إليه ، وإلى إرادته ذلك به في الأزل ، وإلى تطهير باطنه عن حلول الغير به ، وتخليته عن عوائق تحول بينه وبين مولاه ، حتى لا يسمع إلا بالحق ومن الحق ، ولا يبصر إلا به ، ولا ينطق إلا به- كما في الحديث القدسي- فيكون تقربه بالنوافل سببًا لصفاء باطنه ، وارتفاع الحجاب عن قلبه ، وحصوله في درجة القرب من ربه ، وكل ذلك من فضل اللّه تعالى ولطفه به.
ثم قرب العبد من اللّه لا يوجب تغيرُا وتجددُا في صفات اللّه - تعالى- ، إذ التغير عليه سبحانه محال ، لأنه لا يزال في نعوت الكمال والجلال والجمال على ما كان عليه في أزل الآزال بل يوجب مجرد تغير العبد بترقيه في مدارج الكمال ، والتخلق بمكارم الأخلاق التي هي الأخلاق الإلهية ، فكلما صار أكمل صفة وأتم علمًا وإحاطة بحقائق الأمور، وأثبت قوة في قهر الشياطين وقمع الشهوات ، وأظهر نزاهة عن الرذائل ، وأقوى تصرفًا في ملكوت الأشياء صار أقرب إلى اللّه.
ودرجات القرب غير متناهية ، لعدم تناهي درجات الكمال ، فمثل تقرب العبد إلى اللّه ليس كتقرب أحد المتقاربين إلى الآخر إذا تحركا معُا ، بل كتقرب أحدهما مع تحركه إلى الآخر الذي كان ساكنًا ، أو كتقرب التلميذ في درجات الكمال إلى أستاذه ، فإن التلميذ متحرك مترق من حضيض الجهل إلى بقاع العلم ، ويطلب القرب من أستاذه في درجات العلم والكمال ، والأستاذ ثابت واقف ، وإن كان التلميذ يمكن أن يصل إلى مرتبة المساواة الأستاذة لتناهي كمالاته ، وأما العبد ، كائنًا من كان ، لا يمكن أن يصل إلى كمال يمكن أن يكون له نسبة إلى كمالاته - سبحانه- ، لعدم تناهي كمالاته شدة وقوة وعدة ، وعلامة كون العبد محبوبًا عند اللّه. أن يكون هو محبًّا له - تعالى- ، مؤثرًا إياه على غيره من المحاب ، وأن يرى من بواطن أموره وظواهره أنه - تعالى- يهيء له أسباب السعادة فيها ، ويرشده إلى ما فيه خيره ، ويصده عن المعاصي بأسباب يعلم حصولها منه - سبحانه- ، أنه - تعالى- يتولى أمره ، ظاهره وباطنه ، وسره وجهره ، فيكون هو المشير عليه ، والمدبر لأمره ، والمزين لأخلاقه ، والمستعمل لجوارحه ، والمسدد لظاهره وباطنه ، والجاعل لهمومه همًّا واحدًا ، والمبغض للدنيا في قلبه ، والموحش له من غيره ، والمؤنس له بلذة المناجاة في خلواته والمكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته.
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد الريشهري
السيد محمد حسين الطهراني
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان