مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

الميزان في تقييم العمل (4)

ظهور فضائل أمير المؤمنين رغم سعي أعدائه لمنع ذلك

 

وحالات أمير المؤمنين هذه، كانت تشتدّ ظهوراً وتزداد بروزاً في هذه الدنيا يوماً بعد يوم، حتّى أنّ الذين لا يمتّون إلى الدّين بصلة، يرون أنّه وحيد دهره وفريد عصره ومثال للشّرف والإنسانية، ويكنّون له كمال الاحترام والتقدير، إلا أنّ المسلمين ليسوا كذلك.

يقول جبران خليل جبران:

"كان عليّ إنساناً سابقاً لزمانه ومتقدماً عليه (علماً أنّ جبران هذا مسيحيّ) وأنا أتعجّبُ من هذا الزمان الذي يفيض على البشريّة بأشخاص هم سابقون لزمانهم" هكذا كان منهج أمير المؤمنين.

 

وكم سعى المخالفون جاهدين لإخفاء عظمة أمير المؤمنين وطمس حقيقته، بل ومحو اسمه وإماتة ذكره ودفن آثاره، ولم يدعوا شيئاً من القتل والشنق والحبس والتضييق والإعدام إلا ومارسوه دون تردّد وتريّث، وإلى أيّ حد؟ إلى حدّ أنّهم أبعدوا اسم أمير المؤمنين طوال سنين متمادية، حتّى لم يعد يعرف النّاس معنىً للعدالة، وما ذلك إلا لأنّهم كانوا يريدون أن يلوّثوا أياديهم بدماء النّاس، وينالوا من أعراضهم ويدنّسوها، ويشيّدوا سلطانهم على أساس الظّلم والجور، وهذه المدرسة هي السائدة الحاكمة آنذاك، لذلك سعوا إلى إخماد اسم عليّ من الدنيا.

 

يقول "ابن شهر آشوب": ثلاثة أمور يمكن أن نعتبرها من معجزات أمير المؤمنين بعد حياته؛ تضاف إلى معجزاته زمن حياته:

أحدها: ذكر أعدائه لمناقبه وفضائله، فهم يذكرونها ويفصحون عنها جميعهم، فمع أنّهم لا ينتمون إلى نهج أمير المؤمنين، إلا أنّهم ذكروا وروَوا الكمّ الهائل من فضائل أمير المؤمنين، بحيث يروُونها في مجالسهم ويذكرونها في محافلهم، وإن اعترض أحد منهم عليها ولم يعترف بها، فيجابهه الآخرون: إنّ ذلك لا يقبل الإنكار لأنّها وصلتنا من مصادرنا الصحيحة والمعتبرة، فهي مدوّنة في ذاك الكتاب ومرويّة عن فلان وفلان، وموجودة هنا وهناك..

 

ثانيها: قد دوّن أعداء الإمام الكتب الكثيرة في ذكر فضائله، فهذا ابن جرير الطّبري صاحب كتاب "الملوك والأمم" المعروف بـ "تاريخ الطّبري"، فهو سنّي المذهب وقد كتب عن فضائل أمير المؤمنين، كما وقد ألّف كتاباً باسم "الغدير" يدور حول واقعة الغدير.

وكذلك أحمد بن حنبل، حيث ألّف كتاباً عن فضائل أمير المؤمنين، وسمّاه فضائل أحمد بن حنبل.

ومثله النّسائيّ وهو واحد من أئمّة أهل السنّة، قد دوّن كتاباً في فضائل أمير المؤمنين، وقد تتبّعته بنفسي فعلاً.

وعلى العموم، إنّه قد دُوّن مائة وثلاثة وثمانون مصنّفاً في مناقب أمير المؤمنين، قام بتأليفها علماء السنّة الكبار والمشهورون وكتبوها بأنفسهم.. أليس ذلك معجزة؟!

 

ثالثها: أنّه في الظّرف الذي عمد أعداء أمير المؤمنين إلى طمس اسمه، ومحو ذكره عن الألسن، وتغييبه وتضييع رواياته وحذفها.. وبذلوا في ذلك كلّ ما لديهم من قوةّ وقدرة، إلا أنّ نوره بقي ساطعاً في كلّ أرجاء العالم. فقد جاء معاوية إلى المدينة ونظر إلى ابن عبّاس وقال:

يا ابن عبّاس! اعلم أنّي قدْ أصدرت الأوامر إلى جميع البلاد والأقطار، وكتبت إليهم: أن لا حقّ لأيّ شخص أن يذكر فضيلة من فضائل أمير المؤمنين أبي تراب، وأنت مشمول لهذا الحظر ولا حقّ لك بذلك.

فأجابه ابن عبّاس: أتمنعنا من قراءة القرآن؟

قال: لا! اقرؤوا القرآن.

فقال ابن عبّاس: أتنهانا عن تفسير القرآن؟ هل نقرأ القرآن دون الشرح والتأويل؟!

فقال: نعم، دون التّفسير والتأويل يعني دون ذكر أمير المؤمنين.

ثمّ قال ابن عبّاس: هل نقرأ القرآن دون أن نفهمه؟!

أجابه معاوية: اقرؤوا وافهموا.. ولكن دون الرجوع إلى أهل البيت، وإنّما من الروايات التي نقلها الآخرون!!

قال ابن عباس: إنّما نزل القرآن على أهل البيت، هل من الممكن أن لا نسألهم ونرجع إليهم؟ هل نذهب إلى اليهود والنّصارى لنستوضح معنى القرآن!!

فقال معاوية: الزم ما قلته لك، ثمّ نهض وقال: سوف أعلن في شوارع المدينة وأسواقها، أنّ من يذكر فضيلة من فضائل أمير المؤمنين فإنّ معاوية قد أهدر دمه، وسيقتل في الحال.

 

وكذلك يقول "عبد الله بن شدّاد الليثي": احترق قلبي وضاق صدري.. لم يسمحوا لي بذكر فضيلة من فضائل أمير المؤمنين أبداً، وكنت آمل أن يمهلوني فرصة حتّى أجلس من الصّباح إلى المساء، لأنقل فضائل أمير المؤمنين، وإن شاؤوا بعدها فليقتلوني، فليس ذلك بعزيز، وأنا مع ذلك راضٍ، ولكنّهم لا يمهلوني للقيام بذلك، فإنّهم سيقتلونني فور شروعي بذكر الفضيلة الأولى..

لقد استمرّ ذلك لسنين متمادية، حتّى عمدَ الفقهاء والمحدّثون وسائر الأشخاص الذين أرادوا أن يذكروا مناقب أمير المؤمنين وفضائله في كتبهم من التفسير والحديث والفقه والتاريخ والأدب، إلى استبدال اسم عليّ، فشرعوا يقولون: رجل من قريش! أو يقولون: قال ذلك شخص من قريش.

وكذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى، فهو ممّن يروي فضائل أمير المؤمنين، يقول: عن رجل.. عن رجل من أصحاب رسول الله.

ومثله "الحسن البصري" حيث كان يروي الرواية فيقول: عن أبي زينب.. ذلك لأنّ أمير المؤمنين غير معروف بلقب أبي زينب، بل كان مشهوراً بأبي الحسن، فكان يروي عنه بعنوان أبي زينب.

 

ويقول "الشعبيّ": كنت أستمع تحت منابر بني أميّة في أيّام الجمعة والأعياد، حيث كانوا يخطبون ويلعنون أمير المؤمنين.. ويسبّون.. ويسيئون.. ويحطّون من مقامه ويستخفّون به... إلا أنّي رأيت أنّه مع كلّ نيلهم منه، فإنّ اسمه يعلو ويرتفع كالمنارة في السّماء، وأنّه مع كل السوء الذي نسبوه إلى حضرته، مازال يتلألأ ويضيء ويتوهّج، وقد عمدوا في الطرف المقابل إلى نسبة الفضائل لبني أميّة، وإعلاء منزلتهم وتمجيدهم.. فكانوا يعلنون ذلك على المنابر ويذيعونه أمام الملأ العام، كمن يستعرض القاذورات، ويشّق بطون الجيَف وينشرها أمام الآخرين، إلى حدّ أنّهم كلما أكثروا وبالغوا في ذلك كانت، رائحة التعفّن تفوح بشكل أفظع وتملأ الفضاء بأكمله!

 

يقول "ابن نباتة" أرادوا أن يطفئوا نور أمير المؤمنين، لكنّهم عجزوا عن ذلك ولم يقدروا، بل أضافوا بفعلهم هذا صيحة أخرى وصرخة جديدة كنفخة الصّور في يوم القيامة، فصرخة أمير المؤمنين في هذه الدنيا قد وثقت وأُبرمت بشكل محكم، تماماً كصيحة يوم القيامة، فعدل أمير المؤمنين.. وإنصافه.. ورحمته... قد استوعب جميع أقطار الأرض، فها أنت ترى قبور أولاده تملأ البسيطة، وتجدهم في جميع أرجاء العالم، والنّاس تأتي لزيارة قبور أولاده بعنوان التقرّب إليه وزيارته هو.

 

كذلك ينقلُ البخاريّ ومسلم وابن بصره وابن نعيم هذه الرواية: أنّه حينما اشتدّ حال النّبي وأرادوا أن يُحضروه إلى المسجد، أركبوه على البغلة، تقول عائشة: قد أخذ زمام البغلة يجرها ابن عبّاس ورجل آخر، ولم تذكر اسم ذاك الشّخص الآخر، فهو إما حسد منها، وإما أنّ الرواة لم يستطيعوا ذكر ذلك فيما بعد، واضطروا إلى حذف اسمه. والنّتيجة أنّهم لم يذكروا هذه الفضيلة لأمير المؤمنين، وإنما قالوا "رجل آخر"، وهو نوع من إطفاء نور عليّ، إلا أنّ نوره بهر الدنيا واستوعبها بأكملها، فهل بإمكانهم أن يطفئوه؟! {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}كلاّ، لا يستطيعون أبداً، وإنّما هم الذين سينحطّون وينزلقون.

 

حسناً، هذا هو منهج أمير المؤمنين، فعلينا أن نلتفت نحن المسلمون إلى ذلك، نحن الشّيعة، علينا أن نكون حذرين متنبهين، وندرك أنّه لا يمكن المجاملة أو التساهل مع عليّ! فـ "عقيل" كان قد أدرك هذه الحقيقة، وعلم أنّه لا مفرّ من صراط العدالة، وكذلك أخذه للقلادة من ابنته وإعادتها إلى بيت المال، هذا المال الذي كانت قد أخذته ابنته بعنوان العارية لا التملّك! فنحن الذين نقول: عليّ!! ينبغي أن يكون ميزاننا ومقياسنا قريباً من ذاك الميزان، ونطبق إبرة الميزان على ذاك السّهم، وإن تمكّنتم من تطبيق إبرة ميزانكم على تلك الإبرة، فهنيئاً! هنيئاً لكم! لأنّنا نكون قد فنينا في ذات الله، واعترفنا بمقام الولاية، وإن لم نستطع.. فكلّما كان قريباً كان أفضل وأعلى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد