مقالات

الإخلاص والقربة

الشيخ المشكيني

 

قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر : 11]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة : 5].

الدين: الطاعة والعبادة، والحنيف: المائل إلى الحق، والحنفاء: المائلون إلى ربهم في أعمالهم الراغبون عن غيره إليه في طاعاتهم. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 162].

النسك: العبادة، واللام في قوله: «لله» للملكية والسلطنة، والمعنى: أن عملي ونفسي جميعاً لله تعالى، وليس لغيره فيهما نصيب.

 

وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء : 23].

هذا البحث لبيان لزوم إخلاص العبد قصده لله في جميع ما يعمله له، وعدم شوب أي غرض فيه، وأن لا يعبد غيره تعالى من الوثن والشيطان والنفس، ولا يشرك غيره فيما هو عبادة له.

فالإخلاص يكون ـ تارة ـ واجباً عقلاً وشرعاً، ويكون تركه شركاً وكفراً كعبادة غير الله تعالى فقط أو إشراكه في عبادته، و ـ أخرى ـ واجباً وتركه فسقاً مبطلاً للعمل كالرياء ونحوه.

و ـ ثالثة ـ مندوباً مطلوباً وتركه مسقطاً للعمل عن درجة الكمال، كشوب الضمائم المباحة التبعية لنية العبادة، ويقرب منه العبادة لله طمعاً في جنته أو خوفاً من ناره.

 

والنصوص الدالة على لزوم إخلاص الأعمال وتزكيتها وتمحيصها والسعي في كونها خالصة لله تعالى بحيث لا يشوبها أي غرض غيره كثيرة جداً بألسنة مختلفة، بعضها وارد في تفسير الآيات الشريفة، وبعضها مستقل.

فقد ورد أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: «أيها الناس، إنما هو الله والشيطان والحق والباطل، والهدى والضلال، والرشد والغي، والعاجلة والعاقبة، والحسنات والسيئات، فما كان من حسنات فلله، وما كان من سيئات فللشيطان» (1).

والضمير في «هو الله» راجع إلى مقصد كل عامل ونيته، والمعنى: أن الغرض الباعث إلى العمل في الناس لا يخلو من أحد أمرين: إما هو الله تعالى فهو إذًا حق وهداية ورشد وعاقبة وحسنة، أو هو الشيطان فهو باطل وضلالة وغي وعاجلة وسيئة.

 

وقوله: «فما كان من حسنات» تفريع لما قبله، والمعنى: أن كل حسنة نراها فهي من الأول  وكل سيئة فهي من الثاني. وورد أنه: طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه (2).

وإن الله أراد بالأحسن في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود : 7] الأصوب الصادر عن النية الصادقة (3). وإن قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 89]. هو القلب الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه، وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط (4).

وإنه إذا أخلص عبد إيمانه بالله وأجمل ذكر الله أربعين يوماً جرت ينابيع الحكمة من قلبه إلى لسانه (5)، أي: أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه (والإيمان هنا: عقد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، وإخلاصه تصفية القلب عن غيره تعالى وتخليص الكلام عما لا يليق بمقام المؤمن وإخلاص العمل عن الحرام والشبهة، والأربعين لها خصوصية أو هو مثال).

 

وإن إخلاص العمل لله مما لا يغل عليه قلب إمرء مسلم (6)، أي: لا يغش ولا يخون المسلم في إخلاص عمله، وليس ذلك من شأنه.

وإن عمل أهل الدنيا كله رياء، إلا ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم (7).

وإن قول إبراهيم (عليه السلام) عند توجيه وجهه إلى الله بالعبادة: (حنيفاً مسلماً) معناه: خالصاً مخلصاً لا يشوبه شيء (8).

وإن العبد إذا أشرك غير الله في عمله ترك الله الجميع لغيره فإنه خير شريك (9).

وإنه قد يصلي العبد ركعتين يريد بهما وجه الله فيدخله الله به الجنة (10).

 

وإن الحسن الزكي (عليه السلام) قال: لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد الله خالصاً لرأيت أني مقصر في حقه (11).

وإن الله لا ينظر إلى الصور والأعمال، وإنما ينظر إلى القلوب (12).

وإن المؤمن الكامل هو من يكون حبه وبغضه، وإعطاؤه ومنعه لله تعالى وطلباً لمرضاته (13).

وإن أفضل العبادة: الإخلاص (14)، أي: العبادة التي فيها الإخلاص، أو إن نفس إخلاص النية ـ مع قطع النظر عن العمل الخارجي.

_______________________

1- المحاسن : ص391 ـ الكافي : ج2 ، ص16 ـ الوافي : ج4 ، ص373 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص49 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص228.

2- الكافي : ج2 ، ص16 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص43 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص229 ، وج84 ، ص 261.

3- بحار الأنوار : ج70 ، ص230.

4- الكافي : ج2 ، ص16 ـ المحجة البيضاء : ج7 ، ص330 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص 54 و 239 و ج82 ، ص305.

5- بحار الأنوار : ج70 ، ص240.

6- بحار الأنوار : ج70 ، ص242.

7- بحار الأنوار : ج70 ، ص242.

8- بحار الأنوار : ج70 ، ص243.

9- نفس المصدر السابق.

10- بحار الأنوار : ج70 ، ص244.

11- بحار الأنوار : ج70 ، ص245.

12- بحار الأنوار : ج70 ، ص248.

13- نفس المصدر السابق.

14- بحار الأنوار : ج70 ، ص249.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد