مقالات

يوم الأربعين، الجاذبيّة والأبعاد

الإمام الخامنئي "دام ظلّه"

 

الجاذبة المغناطيسية الحسينية بدأت من يوم الأربعين

سواء عاد أهل بيت الرسول (ص) في يوم الأربعين إلى كربلاء ـ حيث روى ذلك البعض ـ أم لم يعودوا، فليس هناك شكّ في أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قد طوى بمرافقة أحد كبار التابعين ـ الذي كان يسميه البعض عطية والبعض الآخر عطاءً، ويحتمل أنّه عطية بن حارث الكوفي الهمداني، وعلى كل حال هو أحد كبار التابعين الساكنين في مدينة الكوفة ـ الطريق وحلّا عند القبر الطاهر لشهيد كربلاء.

إنّ بداية الجاذبة المغناطيسية الحسينية، بدأت من يوم الأربعين، وإنّ القوة الجاذبة التي دفعت جابر بن عبد الله الأنصاري على مغادرة المدينة والتوجّه نحو كربلاء، هي نفس الجاذبة الموجودة في قلوبنا على مرّ القرون المتمادية.

وإنّ لأربعينية الإمام الحسين عليه السلام دور تعرّفَ من خلاله بعض الأفراد على مقام أهل البيت عليهم السلام، فأصبحت قلوبهم تنبض بمحبة وعشق كربلاء، بالإضافة إلى تعلقهم بالتربة الحسينية والمرقد الطاهر لسيد الشهداء عليه السلام.

إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري يُعدّ من مجاهدي صدر الإسلام الأول، ومن أصحاب بدر، وقد كان إلى جانب الرسول (ص) وجاهد معه قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام؛ أي أنه رأى بعينه ولادته ونشأته.

ومن المسلّم أنّ جابر بن عبد الله قد رأى الرسول الأعظم (ص) لمرّات عديدة وهو يضمّ الحسين بن علي عليه السلام إلى صدره، ويقبّله في عينيه وعلى وجهه، ويُغذّيه الطعام والشراب بيده الشريفة، فأغلب الظنّ أنّ جابر بن عبد الله رأى ذلك بأم عينه.

ومما لاشكّ فيه أنَّ جابر بن عبد الله قد سمع الرسول (ص) وهو يقول: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وكذلك بعد وفاة الرسول (ص) بقيت مكانة الإمام الحسين عليه السلام وشخصيته ـ سواءً في زمان الخلفاء أو في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، في المدينة المنورة أو في الكوفة ـ ماثلة أمام عيني جابر بن عبد الله الأنصاري.

وعندما سمع جابر أنّ الحسين بن علي عليه السلام عزيز الرسول (ص) قد استشهد، وقُتل عطشاناً، انطلق من المدينة، وعند وصوله إلى الكوفة رافقه عطيّة، وقد روى ذلك، قائلاً:

وصل جابر بن عبد الله إلى شط الفرات، واغتسل فيه، ثم ارتدى ثياباً بيضاء نظيفةً، وتوجّه نحو قبر الإمام الحسين عليه السلام ماشياً بكل وقار وسكينة.

إنّ الرواية التي رأيتها تقول أنه عندما وصل جابر إلى القبر قال ثلاثاً بصوت عال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر»؛ أي أنه أخذ بالتكبير عندما علم كيف استشهد عزيز الرسول (ص) وعزيز الزهراء عليها السلام مظلوماً على أيدي الطغاة وعبدة الشهوات.

ثم قال عطيّة: ولقد فَقَدَ جابر بن عبد الله صوابه عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، وأغمي عليه وسقط إلى الأرض. لا نعلم ما الذي جرى بعد ذلك إلا أنه يقول في هذه الرواية: عندما عاد جابر إلى وعيه، أخذ بمخاطبة الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: «السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله».

أيها الحسين المظلوم.. أيها الحسين الشهيد..

نحن اليوم أيضاً نقول من أعماق وجودنا: «السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام على الحسين الشهيد».

فلقد جعلت شهادتك وجهادك وثباتك الإسلام متألّقاً، وأحْيَت الدين المحمدي الأصيل، ولولا شهادتك لم يبق للدين من أثر.

إن قلوبنا اليوم مشتاقة أيضاً إلى الحسين بن علي عليه السلام، ولمرقده وقبره الطاهر، ومهما بَعُدت الشقّة، فسوف نبقى نتحدث عن ذكرى الحسين بن علي عليه السلام ومحبته.

لقد قطعنا عهداً على أنفسنا، وسنبقى على هذا العهد، بأن لا نترك ذكر الحسين واسمه ومسيرته في حياتنا أبداً، وهذه هي مشاعر كافة أفراد شعبنا وشيعة العالم بأجمعهم تجاه الإمام الحسين بن علي عليه السلام، بل هو شعور جميع الأحرار في أنحاء العالم كافة.

 

الأبعاد العظيمة في حركة الإمام الحسين كما ورد في زيارة الأربعين

وردت في زيارة الأربعين التي تأتي فقراتها الأولى على صورة دعاء يناجي به المتكلم المولى سبحانه وتعالى فيقول: «وبذل مهجته فيك» أي الحسين بن علي (ع) «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة».

فهذا هو أحد جوانب القضية وهو المتعلق بصاحب النهضة أي الحسين بن علي (ع)، وأما الجانب الآخر فيرد في الفقرة التالية التي تقول: «وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى» في وصفٍ للواقفين على الجبهة المضادّة، وهم الذين غرّتهم الدنيا بالمطامع الدنيوية والزخارف والشهوات والأهواء النفسية فباعوا حظّهم من السعادة الدنيوية والأخروية بالأرذل الأدنى؛ وهذه هي خلاصة النهضة الحسينية.

وبالتدقيق في هذا الكلام، يدرك المرء أن بإمكانه النظر إلى النهضة الحسينية بمنظارين في الواقع، وكلاهما صحيح، سوى أنّ مجموعهما يكشف عن الأبعاد العظيمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تكشف عن الحركة الظاهرية للحسين بن علي، والتي قام بها في مواجهة حكومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعية وهي حكومة يزيد، وأما باطن القضية وعمقها فتكشف عنه النظرة الثانية، وهي الحركة الأعظم والأعمق؛ لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته.

فمع أن الإمام الحسين قام بمقارعة يزيد في الواقع، إلا أن هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئاً، بل كانت ضدّ جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما يكافحه الإمام الحسين في الحقيقة.

 

الدرس الذي نتعلمه من الأربعين

إن الدرس الذي يعلّمنا إياه يوم الأربعين هو وجوب إحياء ذكر وحقيقة الشهادة في مواجهة السيل الإعلامي للأعداء.

وإن أهميّة الأربعين تكمن بالأساس في أن ذكر النهضة قد خُلّد إلى الأبد وتجذّر في هذا اليوم بتدبير إلهي وحكمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فلو أن زينب الكبرى عليها السلام والإمام السّجّاد عليه السلام لم يُبادرا على امتداد أيام السبي سواء في عصر عاشوراء في كربلاء أو الأيام التي أمضياها في الطريق إلى الكوفة والشام أو في الشام نفسها وما تلا ذلك في مرورهما بكربلاء ومن ثمّ التوجه إلى المدينة وبالتالي السنوات المتمادية التي بقيا فيها على قيد الحياة إلى الجهاد وبيان الحقائق والكشف عنها ولم يقوما ببيان حقيقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسين بن علي‏ عليه السلام في ثورته وجور الأعداء، لم تبق واقعة عاشوراء حيّة متفاعلة متوهجة حتى يومنا هذا.

كان جهاد زينب عليها السلام وجهاد السجاد عليه السلام وسائر الطاهرين صعباً ومريراً، وبالطبع لم يكن ميدانهم عسكرياً بل إعلامياً وثقافياً، وعلينا الانتباه إلى هذا الأمر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد