إشارات
1- أسباب القُرب
ذُكر في الآيات والروايات عدة عناوين كأسباب مقربة من الله تعالى، مثل:
السجدة: قال تعالى: {واسجد واقترب} [1] وقال عالم آل محمد الإمام الرضا عليه السلام: "أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد، وذلك قوله عز وجل: {واسجد واقترب} [2]، والقرب هو أثر للسجدة نفسها، سواء كانت سجدة صلاة أم سجدة شكر أم غير ذلك.
الصلاة: "الصلاة قربان كل تقي" [3].
الزكاة: "ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قرباناً لأهل الإسلام" [4].
الأضحية: "لأنه (الأضاحي) قربان الله عز وجل".
الكعبة: "قد جعلت هذا البيت عيداً بجعلك ـ كذا ـ وقرباناً لهم إليك".
الصلاة المستحبة: "صلاة النوافل قربان إلى الله لكل مؤمن".
والأهم من هذه كلها هو العمل بالتكليف الشرعي والقيام بحق العبودية فليس من الصواب إتيان المستحب إن تسبب في إهمال الواجب، لأنه رغم إيجابية النوافل وفوائدها الجمة لكنها تكون مبعدة عن الله تعالى إن أضرت بالفرائض كما ورد في الرواية: "لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض" [5]، وأنه: "إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها"[6].
ثم إن ما ذكر من عناوين إنما هو من باب ذكر المصداق، وكل عمل ـ واجباً كان أم مندوباً ـ هو مقرب من الله تعالى إذا روعي فيه قصد القربة والطاعة، وقد ورد أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رب ! ما حال المؤمن عندك؟ قال: "يا محمد ... وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت إذاً سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته" [7].
وفي المقابل فإن الذنوب والمكروهات كافة مبعدة عن الله تعالى، ولكن بتفاوت لا يُنكر في التأثير، ولذا ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوماً ما".
ملاحظة
إن القرب من الله سبحانه يتطلب عناصر محورية ضرورية، شأنه شأن الحركة نحو المقصد، وأهمها في الحركة هو العنصر "المحرك"، وفي القرب هو "المقرب"، وجميع ما ذكر قبل قليل كمقربات إنما هي عوامل إعداد وعلل إمداد، وهو ما يصطلح عليه بـ "ما به"، وليس عوامل إيجاد وعللا فاعلية حقيقية، وهو ما يصطلح عليه بـ "ما منه".
وبعبارة أخرى: المقرب الحقيقي هو الله وحسب، وما تلك الأمور إلا ممهدات وأسباب تضع صاحبها في معرض النفحات الإلهية، لأن "القرب" كالحركة في كونه نحو من الوجود، والوجود لا يكون ولا يصدر إلا من الفاعل والموجد الحقيقي، وهو الله تعالى ذكره، والأسباب شأنها إعداد القابل المستعد لتلقي وجود أشد وأعلى، وعليه فليس للمتقرب وحده قدرة على التقرب وتحصيل القرب، كما أن المتحرك في الحركة المادية لا طاقة له مستقلاً للخروج من القوة إلى الفعل، وما بمقدور المتقرب هو تتميم نصاب القبول والاستعداد، لا تكميل نصاب الإيجاد والإفاضة، وهذا المعنى جار حتى في أقرب المقربين عند الله، من بشر وملائكة، فإن المقرب الحقيقي لهم هو الله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيّا}، وتقريب الله سبحانه لهم من أبرز مظاهر وآثار اسمه الشريف (القريب) علاوة على ما له من آثار.
2- آثار القرب من الله
إن القرب الروحي من الله سبحانه، الحاصل بالعبودية والطاعة، له آثار تتجلى في العبد المقرب، بل ويبلغ به القرب أن تكون طاعته طاعة الله وفعله فعلاً لله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [8]، {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [9]، {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [10]، والمقرب بهذا القرب مؤهل للخلافة الإلهية وفعل الفعال الربوبية، فهو يشبه الحديدة المحماة، فإنها بعد التخلص من الصدأ والشوائب العالقة بها تكتسب خاصية النار، فينبعث منها وهج النار ونورها، لكن حرارتها ونورها منوط باتصالها الدائم بالنار، فما إن تبعد عنها بردت وخبا نورها.
يقول بعض أهل المعرفة: "ومرتبة الإنسان الكامل عبارة عن جميع المراتب الإلهية والكونية من العقول والنفوس الكلية والجزئية ومراتب الطبيعة إلى آخر تنزلات الوجود، ويسمى بالمرتبة العمائية أيضاً، فهي مضاهية للمرتبة الإلهية، ولا فرق بينهما إلا بالربوبية والمربوبية، لذلك صار خليفة الله"، ولذا صارت الفعال الربوبية تصدر أيضاً بإذن الله من خليفته، لكن على سبيل التبع لا الاستقلال.
يذكر هنا أن تعبير القيصري هذا مستل مما جاء عن الإمام صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الشريف الوارد عن طريق نائبه الخاص محمد بن عثمان بن سعيد: "ولا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك" [11]، وهو ما يفيده حديث قرب النوافل أيضاً.
3- الناس طوائف ثلاث
يقسم القرآن الكريم الناس إلى طوائف ثلاث: السابقون، أصحاب اليمين، أصحاب الشمال. قال تعالى: {وكنتم أزواجاً ثلاثة، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} [12].
أصحاب الشمال ـ ويقال لهم أيضاً: الفجار والمكذبين والضالين ـ مأواهم النار، وقراهم فيها طعام من ضريع ورصاص مصهور وشراب من حميم يقطع الأمعاء: {وأما إن كان من المكذبين الضالين، فنزل من حميم، وتصلية جحيم} [13]، {وإن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين} [14]، فهذا هو مآلهم.
وأما {السابقون السابقون، أولئك المقربون} و{أصحاب الميمنة} الأبرار فهم الناجون: {فأما إن كان من المقربين، فروح وريحان وجنة نعيم، وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين} [15]، ومن خصائص المقربين شهودهم على كتاب الأبرار: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين، وما أدراك ما عليون، كتاب مرقوم، يشهده المقربون} [16].
ومن الفوارق بين الأبرار والمقربين أن الأولين إنما يشربون القليل الممزوج من أعلى عين في الجنان: {إن الأبرار.. ، يسقون من رحيق مختوم، .. ، ومزاجه من تسنيم}، و"المقربون يشربون من تسنيم بحتاً صرفاً، وسائر المؤمنين ممزوجين {عيناً يشرب بها المقربون}.
ولا شك في أن لهذه الطوائف الثلاث درجات ومراتب كثيرة، وذكر آل محمد عليهم السلام في بعض الروايات كمصداق للمقربين هو من باب ذكر المصداق الأكمل، لا من باب الحصر، لأن السالكين الصادقين والشيعة حقاً للأئمة الطاهرين بإمكانهم أن يطووا مراحل السير الصعودي، وأن يجتازوا مقام الأبرار ويحطوا في مقام المقربين، لكنه مقام شامخ لا يتأتى إلا بهمة وعناء، لأن "حسنات الأبرار سيئات المقربين" [17]، ومن هنا يجدر بالسالك الصادق أن لا تقعد به همته عن نيل مقام الأبرار إن أعجزه مقام المقربين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة العلق:19
[2] كتاب الكافي ج3 ص 265
[3] كتاب نهج البلاغة ح 136
[4] كتاب الكافي ج 5 ص 36
[5] كتاب نهج البلاغة ح 39
[6] م.ن الحكمة 279
[7] كتاب الكافي ج 2 ص 352
[8] النساء:80
[9] الفتح:10
[10] الأنفال:17
[11] كتاب إقبال الأعمال ص 646
[12] الواقعة:7ـ 9
[13] الواقعة:92ـ 94
[14] الإنفطار:14ـ 15
[15] الواقعة:88ـ 91
[16] المطففين:18ـ 21
[17] كتاب بحار الأنوار ج 25 ص 205
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ فوزي آل سيف
محمود حيدر
السيد منير الخباز القطيفي
السيد جعفر مرتضى
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مجاز القرآن: عقلي ولغوي
العلم والعقل والنفس
رأي العلماء في الثواب والعقاب
الدين وحده الذي يروض النفس
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً
المقرّبون (2)
(لعبة حياة) معرض فنّيّ لسلمى حيّان، يكشف علاقة الإنسان بالأرض والزّمان والذّات
زكي السالم: ديوانك الشّعريّ بين دوافع الإقدام وموانع الإحجام
حكم الشيعة لبلاد المسلمين
معاثر التفكير من اليونان إلى ما بعد الحداثة