قال بعض علماء الاجتماع: إنما تتفاضل الأمم في حال البداوة بالقوة البدنية فإذا ارتقت تفاضلت بالعلم، ثم إذا بلغت من الارتقاء غايته تفاضلت بالأخلاق. فالأخلاق هي غاية ما يصل إليه الانسان في سموه وكماله وتهذيبه، إن الخلق الكامل إذا انطبع في النفس لا يمكن أن تنحرف عن الطريق القويم، أو تحل الأنانية محل الإيثار، أو تستولي عليها المغريات والنقائص، من أجل ذلك كانت الأخلاق من أهم العناصر التي تبتني عليها الحياة الاجتماعية والفردية، كما أنها من أوثق الأسباب في بقاء الأمم وفي دوام حضارتها وأصالتها.
إن من أقوى العلل في ظهور الشرائع السماوية، وبقاء سلطانها الروحي، عنايتها بالخلاق واهتمامها بتهذيب النفوس وتربيتها بالنزعات الخيرة، وقد اهتم النبي بها اهتمامًا بالغًا واعتبرها من أبرز الأسباب التي بعث من أجلها، يقول صلى اللّه عليه وآله «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وقد استطاع بمكارم أخلاقه أن يوقظ البشر من سباته، ويؤسس معالم الحضارة في العالم، ويغير مجرى التأريخ فقد ألّف ما بين القلوب، ووحّد المشاعر والعواطف وجمع الناس على صعيد المحبة والإخاء.
كان النبي في عظيم أخلاقه مثالًا للرحمة الإلهية التي تملأ القلوب البائسة الحزينة رجاء ورحمة، كان يزور ضعفاء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويجيب دعوة من دعاه، ولا يرد دعوة مملوك ولا فقير، ومن جالسه صابره حتى يكون جليسه هو المنصرف، وما أخذ أحد بيده فجذبها منه حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها، وكان حريصًا على تطييب النفوس واجتناب الإساءة لأي إنسان.
وهذه الاخلاق الرفيعة قد تمثلت في الإمام الحسن بحكم ميراثه من جده العظيم، وقد ذكر التأريخ بوادر كثيرة من مكارم أخلاقه نسوق بعضها وهي:
1 - أنه اجتاز على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها من الطريق، وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك وهو يقول: «إن اللّه لا يحب المتكبرين» ولما فرغ من تناول الطعام دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم وأغدق عليهم بنعمه وإحسانه.
إن التواضع دليل على كمال النفس وسموها وشرفها، وفي الحديث «إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرحمكم اللّه».
2 - ومن آيات أخلاقه أنه مرّ على صبيان يتناولون الطعام فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك ثم حملهم إلى منزله فمنحهم ببره ومعروفه وقال: «اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد مما أعطيناهم».
3 - ومن مكارم أخلاقه أنه كان يغضي عمن أساء إليه، ويقابله بالإحسان، فقد كانت عنده شاة فوجدها يومًا قد كسرت رجلها فقال عليه السلام لغلامه:
- من فعل هذا بها؟
- أنا
- لم ذلك؟!
- لأجلب لك الهم والغم
فتبسم عليه السلام، وقال له: لأسرك، فأعتقه وأجزل له في العطاء.
4 - ومن عظيم أخلاقه أنه كان جالسًا في مكان فأراد الانصراف منه فجاءه فقير فرحب به ولاطفه وقال له:
- إنك جلست على حين قيام منّا أفتأذن لي بالانصراف؟
- نعم يا ابن رسول اللّه.
إن مراعاة حق الجليس من الآداب الاجتماعية التي توجب المحبة والإلفة، وتوجد التعاون والترابط بين الناس فلذا أمر الإسلام بها وحث عليها.
5 - واجتاز على الإمام شخص من أهل الشام ممن غذاهم معاوية بالكراهية والحقد على آل البيت فجعل يكيل للإمام السب والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئًا من مقالته، وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بناعم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلًا:
«أيها الشيخ: أظنك غريبًا؟ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعًا أطعمناك، وإن كنت محتاجًا أغنيناك، وإن كنت طريدا أويناك..» وما زال (ع) يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه حتى ذهل ولم يطق رد الكلام وبقي حائرًا خجلًا كيف يعتذر للإمام، وكيف يمحو الذنب عنه؟ وطفق يقول: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فيمن يشاء».
وهكذا كان عليه السلام مثالًا لإانسانية الكريمة، ورمزًا للخلق العظيم لا يثيره الغضب، ولا يزعجه المكروه قد وضع نصب عينيه قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » وقد قابل جميع ما لاقاه من سوء وأذى ومكروه من الحاقدين عليه بالصبر والصفح الجميل، حتى اعترف ألد خصومه مروان بن الحكم بسمو حلمه، وعظيم خلقه، وذلك حينما انتقل الإمام إلى الرفيق الأعلى فبادر مروان إلى حمل جثمانه فقال له سيد الشهداء:
- تحمل اليوم سريره، وقد كنت بالأمس تجرعه الغيظ؟!
- إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
لقد كان الإمام كجده الرسول في سعة حلمه، وعظيم أخلاقه، وصفحه عمن أساء إليه، وقد روى التأريخ بوادر كثيرة من أخلاقه دلت على أنه في طليعة الأخلاقيين والمساهمين في بناء الأخلاق والآداب في دنيا العرب والمسلمين.
الشيخ باقر القرشي
السيد جعفر مرتضى
محمود حيدر
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ شفيق جرادي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
هيبة الإمام الحسن (عليه السلام) ووقاره
الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة الأعرابي
شموخ الإمام الحسن (عليه السلام) أمام غطرسة معاوية (1)
الشيخ محمد علي الأحمد: مبدأ النصيحة عند الإمام الحسن عليه السلام
(سمر مقفّى) أمسية شعريّة رمضانيّة للشّاعر السّيّد هاشم الشّخص
(شرود مؤجّل) أمسية شعريّة احتفائيّة بالشّاعر عبدالمجيد الموسوي
الحداثة المستعلية بتغطية فلسفيّة
كيف تحول أخطاءك إلى ذهب؟
وعي الصوم
حقيقة الصوم تضعيف قوى الشيطان