مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الشك وتدمير الحياة الزوجية

مثلما أن الشك قد يحصل في العقائد، فيهزها وفي العبادات فيفقدها روحانيتها، ويحصل في الحياة الاجتماعية فيمن يتصدى للخدمة، فتسلب عنهم ثقة الناس بعملهم فينكفئون عن التعاون معهم، قد يحصل الشك في الحياة الزوجية بين الزوجين. فيكون سببًا مدمرًا للحياة الزوجية، إذا لم يتصرف الطرفان بنحو صحيح.

 

في البداية، لا بد من التنبيه إلى شك الإنسان المتعارف والطبيعي، وبين شكّ الشّكاك، ذلك أن الشك قد يكون صادرًا من إنسان طبيعي على أثر قيام شريكه الزوجي ببعض الحركات أو الألفاظ، فينقدح في ذهن شريكه الشك والتساؤل عن أسباب هذه التصرفات وعن الغاية منها، فيبدأ هذا الشريك بالبحث والتحري ودافعه في ذلك شكه في أعمال ونيات الطرف الآخر.

 

وقد يكون هذا الطرف مريضًا بالشك مليئًا به، وليس ناشئًا من مناشئ عقلائية وإنما ناشئ مثلًا من غيرته المبالغ فيها! أو اعتقاده بقلة تدين والتزام الطرف الآخر الأخلاقي. أو لأنه شخص يشك أكثر مما يطمئن، ويظن أكثر مما يستيقن، وأنه قد يكون حتى في الحياة العامة. فلا يعتقد بوجود أحد نظيف أو طيب طاهر، بل قد ينظر إلى المصلي، ويقول: هو مراءٍ! وإلى المنفق، ويقول: هو منافق صاحب منفعة، وهكذا..

 

ويعرف هذا الطرف الثاني بسهولة ذلك أنك لو عرضت نفس المعطيات والملاحظات التي أشعلت عنده نار الشك على غيره لرآها أمورًا طبيعية ولا تستحق هذا الشك! وأنه لو اتبع القاعدة الدينية بحملها على المحمل الحسن لما أتعب نفسه وأتعب غيره..

 

مثلاً لوكان الزوج مصابًا بهذه النحو من الشك المضاعف، ورأى زوجته تأخذ تلفونها وتخرج من الغرفة، ثم تتكلم في الصالة بعدما كانت معه في غرفة النوم! بدلًا من حمل هذا الفعل على المحمل الحسن، بأنها لا تريد أن تعكر عليّ استراحتي ونومي! وهذا أحد المحامل الحسنة [1] التي أمر الإنسان أن يحمل فعل أخيه عليه، وأقرب من يحتاجون إلى ذلك هو الزوجة! بدلًا من ذلك يقول هذا الشكاك شكًا مرَضيًا؛ إنها على علاقة محرمة مع شخص والآن هو موعد الاتصال بينهما! وفي رأيه أن أحد الأدلة على ذلك أنها تتم في الساعة العاشرة والنصف ليلًا! بينما قد لا تكون كل هذه المقدمات كافية عند غيره لينبعث مارد الشك في نفسه! فخروجها من الغرفة ليس (دليلًا) ولا أن الوقت المذكور فيه علامة!

 

إن مثل هؤلاء الشكاكين، سواء كان رجلًا أو امرأة، يعتبر وجود كلمة سر على فتح الهاتف النقال! وكلمة سر على البريد الالكتروني دليلًا على وجود (شيء) يريد الطرف الآخر إخفاءه! ولا بد أن يكون ذلك الشيء مريبًا! مع أنه يندر أن يجعل إنسان وسائله الخاصة متاحة للجميع، خاصة أنه ليس واجبًا على الزوجة ولا على الزوج شرعًا، أن يطلع أي منهما الآخر على كل ما في هاتفه!

 

وتتعاظم المسألة فيمن يكون طبيعة عمله أنه يكون تحت الطلب التلفوني، مثل قسم من أطباء القلب بل غيرهم، أو فنيي الطوارئ، أو بعض العلماء أيام مواسم الحج والاستفتاءات، أو مدراء بعض الشركات التي تحتاج لقرارات فورية! فقد ترى زوجها يتأخر في جواب مكالماتها عندما يكون خارج المنزل بينما يسارع إلى الرد على هذه الاتصالات عندما يكون في المنزل!

 

والمريض بالشك كما قلنا ـ سواء كان رجلًا أو امرأة ـ ليس عنده قواعد يعتمد عليها! فإذا تكلم شريكه باختصار في حضوره مع طرف آخر، تصوّر هذا الشكاك بأن الحديث الأصلي المطوّل بينهما سيكون في غيابه، وإذا أطال في حديثه فكّر في أنه ماذا يعني أن تتكلم زوجته مع رجل أجنبي عشر دقائق أو يتكلم زوجها مع امرأة اجنبية عشر دقائق؟

 

إذا تأخر في الوصول إلى عمله! شكت في سبب هذا التأخر.. لماذا تأخر نصف ساعة، وإذا سبق غيره في التبكير للذهاب شكت في مبرر هذا التبكير! وهكذا.. مع أن للتأخر أسبابًا عادية كثيرة، كالزحام، والاصطدام، وتعطل السيارة، وتذكر أحد الأعمال، ومرافقة شخص.. الخ. لكن ذلك بالنسبة لها يعني شيئًا آخر، وهكذا لو انعكس الأمر وكان الزوج هو المصاب بالشك المفرط!

 

ومن علائم الشك المَرَضي والشكاك الانشغال بالتفتيش لإثبات سوء ظنه. فبينما يطرد الإنسان الطبيعي الوساوس والشكوك، ويستعيذ بالله من الشيطان الذي يغذيها ويذكيها، (فإن الشكوك لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن)، ويبحث عن اليقين والاسترخاء والصفاء في منزله، يعكس الشكاك ذلك، ويبحث ويتحرى لا للوصول إلى الحقيقة، وإنما لإثبات سوء ظنه، ويتمنى أنه يصل إلى ما أساء الظن فيه حتى يقول: كان شكي في محله! وأنا كنت صادقًا وذكيًّا من أول الأمر! وربما يتأذى لو عثر على براهين تخالف ما كان يظنه سيئًا! بل لم يقتنع بذلك وإنما واصل التفتيش لعله يعثر على ما يؤكد سوء ظنه!

 

وهذا من العجيب فإن الإنسان الطبيعي يحاول الدفاع عن نفسه وعرضه وشخصيته ومن يرتبط به، وربما دفع الأموال وقدم التضحيات من أجل ذلك، بينما صار همُّ هذا الشكاك وسعيه أن يحصل على أدلة تؤكد شكوكه حتى لو دفع أموالًا من أجل ذلك!!

 

فإذا أضيف إلى ذلك ما سبق ذكره من أنه يعتبر ما لا دليلية فيه برهانًا قاطعًا وحجة دامغة وهو يريد الوصول إلى هذه النتيجة، سترى عزيزي القارئ عزيزتي القارئة كيف سيكون الأمر! بينما يأمر الدين هذا الشخص وأشباهه بأن: "كذب سمعك وبصرك وصدق أخاك المؤمن" [2] الذي ينفي التهمة وينزه عن الفاحشة والسوء! ومن الواضح هنا أنه ليس المقصود الأخ النسبي ولا الرجل دون المرأة وإنما من ترتبط معه بعلاقة الايمان فـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [3]، والزوجة ترتبط معك برباط الزوجية (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [4]بالإضافة إلى رباط الإيمان، فهي أولى بالحديث المذكور ممن يرتبط معك برباط واحد.

 

نعم من المهم هنا أن نقول إن أحد الشريكين إذا رأى من الطرف الآخر إفراطًا في الشك، فينبغي أن يبدد هذه الشكوك قدر الامكان، لو لم يعمل من حوله بمقتضى التوجيه الديني في حسن الظن وحمل أفعاله على الصحة فليسع هذا الشريك لإزالة الشك قدر الامكان، من الحصول أصلًا وأن يدفعه بما يستطيع بعد حصوله من الطرف الشكاك، كما نقل من فعل نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله عندما كلم صفية زوجته.

 

ففي الخبر كما نقل عن الامام زين العابدين عليه السلام "أن صفية [5] زوج النبيّ صلى الله عليه وآله أخبرته‌ أنها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ثمّ قامت لتنقلب (ترجع لبيتها). فقام معها رسول اللّه صلى الله عليه وآله يقلبها ـ حتّى اذا بلغ قريبًا من باب المسجد عند باب أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ به رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللّه صلى الله عليه وآله ثمّ نفذا فقال لهما رسول اللّه صلى الله عليه وآله على رِسلكما إنمّا هي صفية بنت حي قالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه! وكبُر عليهما ذلك فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: انّ الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم وإنّي خشيت ان يقذف في قلوبكما شيئًا". [6]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البروجردي ؛ السيد حسين جامع أحاديث الشيعة 16 / 345 عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملًا.. وقد اشتهر: احمل عمل أخيك على سبعين محملًا من الخير، وقد ذكر محدثون أنه لا يوجد هذا النص في كتب المدرستين. والله العالم..

(2) الكليني ؛ الكافي - ط الإسلامية 8 / 147: عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأساله عن ذلك فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولًا فصدقة وكذبهم لا تذيعن عليه شيئًا تشينه به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله في كتابه: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم".

(3) الحجرات / 10

(4) النساء / 21

(5) صفية بنت حيي بن أخطب: تزوجها النبي صلى الله عليه وآله بعدما أسرت على أثر هزيمة اليهود في خيبر سنة 7 هـ فأعتقها النبي وتزوجها وبالرغم من معاناتها مع بعض نسائه إلا أن النبي كان يفهمها أنها من سلالة الأنبياء والأوصياء. قيل إنها كانت تقول للنبي في مرضه الذي توفي فيه: "أما والله، يا نبي الله! لوددت أن الذي بك بي". اختلف في تاريخ وفاتها اختلافًا واسعًا ما بين سنة 36 و50 هـ.

(6) العطاردي؛ الشيخ عزيز الله: مسند الإمام السجاد علي بن الحسين(ع) 2/ 205

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد