ألقى سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد خطبة الجمعة، 28 ذو الحجة 1445هـ في جامع الإمام الحسين عليه السلام بالحليلة في الأحساء، وفيها تناول موضوعًا بعنوان: "هل لا يزال الحسين غريبًا؟". وتطرّق الشيخ البن سعد إلى جوانب متعددة من غربة الإمام الحسين عليه السلام، موضحًا أن الانتشار الإعلامي والاهتمام الشعبي الواسع، لا يزيل صفة الغربة التي وصفها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
نص الخطبة:
بأبي الغريب اللهفان، بأبي وأمي الذبيح العطشان، بأبي سبط النبي العدنان، بأبي وبنفسي وبأمي وبأهلي وبكل من في الوجود، الإمام الغريب الوحيد الذي بكت عليه الإنس والجان.
هل زالت غربة هذا الغريب؟ هل تحققت للحسين عليه السلام صفة بديلة عن صفة الغربة؟ أم لا يزال غريبًا؟
ربما نشتهي القول بأنه حينما أطلقت صفة الغريب على الحسين عليه السلام فإنها -أي هذه الصفة- وفي هذا اليوم، هي على النقيض تمامًا، وذلك لما اكتسب من تصدر إعلامي واهتمام شعبي واسع، ومراسم جعلت الحسين عليه السلام هو الأكثر ترددًا على الإطلاق، ومن هذه الحالة كيف يمكن أن يكون غريبًا؟ ولكن! قد يتحول التقدير إلى رأي آخر، وذلك بعد أن يعود بنا إلى الحالات المشابهة الأخرى. الظهور ليس هو حل مشكلة الغربة، الظهور لا يحل مشكلة الغربة، بدليل أن الدين وقد انتشر في الأرض وغزا كل القوميات، ما عاد عربيًا فقط! وعبر الحدود، إلا أن كل هذه المكاسب لا تغير ولا تقطع علاقته بالوصف الذي وصفه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: "بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا". مثال آخر هو العرفان، فالعرفان تعدى الجماعات الخاصة، كان العرفان حكرًا على الجماعات المنطوية على نفسها، المنغلقة على ذاتها، لكن العرفان اليوم تعدى الجماعات الخاصة المنطوية على نفسها، فأصبح اليوم مفتوحًا يتصدر الخطب ويتكئ بكتبه على رفوف المكتبات الشخصية، فضلًا عن مكتبات العواصم العلمية التي تحظى بأمن مشدد، إلا أن كل هذا الشيوع في العرفان بحيث أصبح كلمة صديقة لكل الألسنة، جميع الألسنة تتحدث عن العرفان وبالعرفان وفي العرفان، إلا أن هذه الصداقة مع الألسنة ومع العقول التي اكتسبها العرفان لا ينسخ مثل قوله تعالى: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ولا ينسخ مثل قوله تعالى: "وقليل من عبادي الشكور".
فهذه المواقف وهذه الأمثلة المتشابهة قد تحدث لدينا حيرة قصيرة، أي ينبغي أن تكون قصيرة ولا تطول. لماذا؟ لأن هذه الحيرة ستتبدل بعد ذلك إلى فكرة مفهومة ومعقولة تعبر عن نفسها، فكرة تقول إن شدة الطلب للدين لمن يطلبون الدين، وإن شدة الطلب للعرفان لأهل العرفان، وإن شدة الطلب للحسين للحسينيين، مما يجب أن يدقق في وجهته هو طلب ذو وجهتين، والناس تخدع بالوجهة الفارغة الزائفة عن الوجهة الحقيقية، فلا يزيدها طلبها للدين إلا بعدًا، وللعرفان إلا جهدًا، وللحسين إلا شرًّا، لأن الحسين هو الخير الذي قضى على الشر بعد أن سمح للشر أن يقضي على وجوده الدنيوي.
فإذن، شدة الطلب لهذه الأمور مما يجب أن يدقق فيه، هل هو من طلب الروح؟ أو من طلب الصورة؟ ما أكثر الذين استطاعوا أن يتصوروا بصورة الدين، ولكنهم لم يظفروا بروح الدين، يجب أن يدقق، هل هو من ملامسة العمق أو السطح، كما في العرفان تعلمون! قد تكون صدمة لبعضكم، قد يشوف نفسه محتاج أن يفهم أكثر، تعلمون أن بعض أساتذة العرفان هم من أهل النار. لماذا؟ لأن علمهم بالمصطلح، وعلمهم بخرائط العرفان، وعلمهم بغاياته، كلها تعد من ملامسة السطح فقط، لم يلامسوا العمق.
يجب أن ندقق في طلبنا، هل هو من الوعي؟ في طلبنا مع الحسين، هل هو من الوعي بقصة الحسين فقط، أم هو وعي بالبطل والأبطال من حوله؟ فرق بين أن تعي بالقصة أو تعي بأبطال القصة، أعي بالقصة كأني أشاهد مسلسلًا، للعلم يعني كثير من الناس إذا يشاهد مسلسلًا مأساويًا يبكي أو ما يبكي؟ يبكي! فهذا حاضر للبكاء على الإمام الحسين لأن القصة مأساوية، بحيث لو عرضت عليه قصة مأساوية أخرى أيضًا سيبكي، فهذا ومن الوعي بالقصة والمطلوب هو أن يكون هنالك وعي بماذا؟ بالأبطال، بأبطال تلك القصة، زائدًا على الوعي بالمأساة.
ولذا نقول وفي مثال آخر إن الذين نقبوا عما تحت الأرض، واستخرجوا كنوزها المادية وذخائرها الجيولوجية، هم أبناء آخر الزمان، فاستطاعوا الآن أن يستخرجوا الطاقة ويستفيدوا من الطاقة ويلوذوا بالطاقة للتخلص من كثير من مشاكل الأرض وأجوائها. أما أبناء القرون والألوف السابقة فكل الذي وعوه هو سطح الأرض فقط، عاشوا مثلنا على الأرض لكن وعيهم لم يخترق سطح الأرض، ولذا تحملوا حرارتها وجشوبتها دون أن يستفيدوا من الطاقات، لأنهم لم يعوا بها ليستخرجوها ويستثمروها.
هكذا الحسين عليه السلام لن يدركه ولن يستوعبه إلا أصحاب شعار ورايات "يا لثارات الحسين" بين يدي الحجة المنتظر سلام الله تعالى عليه، أولئك على وعي بالحسين، لا بما جرى على الحسين فقط، هؤلاء الذين سيمشون خلف حفيده المهدي الموعود سلام الله عليه. وأما في هذه الأزمنة فإن من يسعى نحو الحسين ليصبح قريبًا، ليصبح الحسين قريبًا لا غريبًا، هذا السعي ليس مستحيلًا إن شاء الله، ولا شرعت بهذا الكلام لأؤكد استحالته، على العكس، لكنه يحتاج إلى أن ننذر أنفسنا بمشهد واحد من مشاهد كربلاء التاريخية.
ونحن نبكي الحسين ونحن نحيي مجالس الحسين في الأيام القليلة القادمة، ونحن نحرص على أن لا تزاحمها دنيانا؛ علينا أن ننذر أنفسنا بمشهد من مشاهد كربلاء التاريخية. فأنا وأنت حينما نستعرض موقف الأنصار، وهذا هو المشهد الذي أقصده، وحينما نستذكر الجماعات التي خرجت معه، علينا أن لا نغفل عن الذين تخلوا عنه وعادوا أدراجهم. خرجوا معه ثم تخلوا عنه وعادوا أدراجهم، علينا أن نتوقف مع أنفسنا قليلًا قبل الاسترسال في لعنهم.
أولئك صاحبوا الحسين بأبدانهم ثم تركوه، ونحن هذه الأيام في عاشوراء ،كثير من الناس تراه يرسل روحه مع روح الحسين، ويصاحب روح الحسين بروحه في هذه الأيام، وتجد بعض الأرواح تنزل مع الحسين منزلًا منزلًا، من منازل عطف إنسانيته ومنازل صفاء روحانيته. فهل ستبقى أرواحنا ملازمة لروحه التي سنصاحبها بعد عاشوراء؟ أم أننا سنعود في اتجاه التراجع والتباعد؟ فإن كان كذلك والعياذ بالله، فما الذي يجعلنا نختلف عن الذين خرجوا معه، ثم عادوا أدراجهم وأسلموه؟ إن أكثر شيعة الحسين يمشون إليه أيام عاشوراء، ويعقدون مجالس لاستقبال عاشوراء قبل عاشوراء ثم ينسلون، ويبتعدون عن الحسين. فالحسين لا يزال غريبًا وإن ندبناه، ولا يزال وحيدًا وإن هتفنا لبيك يا حسين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي المشكيني
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد جعفر مرتضى
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان