الشيخ عبد الكريم الحبيل
مسجد الخضر ع بجزيرة تاروت
Dec 27, 2024 - ٢٥ جمادى الثاني 1446 هـ
أيها الإخوة الكرام والأخوات المؤمنات، لا يزال موضوعنا متواصلًا حول القلب السليم في القرآن الكريم.
وقد انتهى بنا الحديث إلى صفات وحالات القلب السليم في القرآن الكريم.
حيث إننا سبق أن قسمنا البحث عن القلب إلى قسمين:
القلب السليم.
القلب المريض.
وقد انتهينا من الحديث عن حالات القلب السليم في القرآن الكريم.
طبعًا، الحالات التي تحدثنا عنها هي الحالات التي تعرض على قلب الإنسان المسلم، الإنسان المؤمن.
أما أصل الإيمان، فهو من حالات القلب السليم.
ولكننا لا نتحدث عن أصل الإيمان بحد ذاته، وإنما عن ما يعرض على قلب المؤمن السليم من حالات.
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال:
"ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله، قال:
"إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم".
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:
"إن من البلاء الفاقة، وأشد من ذلك مرض القلب. وإن من النعم المال، وأفضل من ذلك صحة البدن، وأفضل من ذلك تقوى القلوب".
جعلنا الله وإياكم من ذوي القلوب التقية.
قال تعالى في كتابه الكريم:
"في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون".
سنخصص حديثنا في هذه الجمعة وما بعدها للحديث عن حالات القلب المريض في القرآن الكريم، أي الأمراض التي ذكرها القرآن الكريم للقلب.
وقبل الدخول في تبويب هذا الموضوع، نذكر بما أوردناه في بداية بحثنا عن القلب السليم، أن القلب في القرآن جاء على ثلاثة معانٍ:
كقوله تعالى:
"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ".
فهنا جاء القلب بمعنى العقل والإدراك، أي لمن كان له عقل.
كقوله تعالى:
"وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ".
فهنا القلوب ليست بمعنى العقول، وإنما بمعنى الأرواح والنفوس، أي بلغت الأرواح والنفوس الحناجر.
كقوله تعالى:
"سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ".
أي في قلوبهم، بمعنى في صدورهم، الذي هو مركز الإحساس والمشاعر والعواطف.
وكذلك قوله تعالى:
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ".
غليظ القلب هنا بمعنى صاحب عواطف غليظة وصفات غليظة.
أما مرض القلب فقد جاء في القرآن الكريم بأنواعه الثلاثة:
هي الأمراض التي تعتور القلب، وهي الشك، والريب، والكفر، وما إلى ذلك.
قال تعالى:
"فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ".
أي الذين في قلوبهم شك وريب في العقيدة والإيمان برسول الله والإسلام وعقائده الحقّة.
هي الأمراض التي تتعلق بالنفوس والقلوب، وهي الميل للشهوات وفعل الفواحش، كما قال تعالى:
"فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِۦ مَرَضٌ".
في قلبه مرض هنا تعني الميل للشهوات، وميل القلب لفعل الفواحش، ما ظهر منها وما بطن.
اتباع الشهوات هو مظهر من مظاهر مرض القلوب، ويطلق عليه مرض القلب بمعنى أمراض الشهوات.
هذه الأمراض التي تتعلق بالرذائل الأخلاقية، والتي بعضها يكون قلبيًّا، وبعضها لسانيًّا، وبعضها أفعالًا خارجية.
من تلك الأمراض التي ذكرها القرآن الكريم:
قسوة القلب:
قال تعالى:
"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً".
قسوة القلب مرض قلبي يطرأ على القلب وله أسباب متعددة.
اللهو:
قال تعالى:
"لَٰهِيةً قُلُوبُهُمْ"
أي القلوب اللاهية التي تغفل عن ذكر الله.
الزيغ:
قال تعالى:
"فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ"
أي قلوب زائغة عن الحق.
العمى القلبي:
قال تعالى:
"فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ".
العمى هنا ليس عمى البصر، بل عمى البصيرة.
هذه الأمراض القلبية تتنوع، وتتعدد أسبابها ومظاهرها، ولها آثار مدمرة على الإنسان والمجتمع.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا من كل مرض، وأن يرزقنا قلوبًا سليمة مطمئنة.
الحسد، وهو مرض قلبي، ذكره القرآن الكريم كثيرًا، وأشار إلى حسد بني إسرائيل للنبي محمد والمسلمين حينما نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله.
النفاق: تحدث القرآن عن النفاق كثيرًا، بدءًا من سورة البقرة، ثم في آيات أخرى، وخاصة في سورة التوبة، كما أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى "سورة المنافقون".
الكبر: أشار القرآن الكريم إلى هذا المرض القلبي في آيات كثيرة، مبينًا خطورته وعواقبه.
الحقد وسوء الظن: كلاهما من أمراض القلوب، وقد تناول القرآن الكريم التحذير منهما بشكل واضح.
الرياء: وهو أيضًا مرض قلبي، يفسد الأعمال ويحبطها، وقد حذر منه القرآن الكريم.
الغفلة: غفلة القلوب عن ذكر الله هي كذلك مرض من أمراض القلوب، وقد أشار القرآن إليها في آيات متعددة.
هذه الأمراض التي تعتري قلب المؤمن يمكن أن تصيبه بالقسوة، أو الريب، أو الغلظة، أو اللهو، أو الزيغ، أو الحسد، أو النفاق، أو الكبر، أو سوء الظن، أو الغفلة، وغيرها من الأمراض القلبية المتعددة، أجارنا الله وإياكم منها.
كلما اقترب الإنسان من المحرمات والشبهات، أو جالس أهل الباطل، أو أهل الشهوات، أو أهل الضلال، فإن قلبه يصبح معرضًا للإصابة بهذه الأمراض.
يجب على الإنسان أن يراقب قلبه وروحه وعقله، ويسعى دائمًا لمراقبة هذا القلب حفاظًا عليه من الأمراض.
ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بنفسه، فقد ينحرف حتى بعد وصوله إلى مستويات عالية من الإيمان أو العلم.
بل إن البعض قد يصل إلى مرتبة عالية في العلم، أو يصبح أستاذًا في الحوزات العلمية، أو يبلغ درجة الاجتهاد، ثم ينحرف عن الحق، ويضل نفسه ويضل غيره.
لذلك يجب على الإنسان أن يكون دائمًا مراقبًا لنفسه، جاعلًا الله سبحانه وتعالى رقيبًا على قلبه.
في الجمعة القادمة، سنتحدث عن قسوة القلوب:
معناها
حالاتها
أسبابها
آثارها
علاجها
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعل قلوبنا وقلوبكم من القلوب السليمة، وأن ينقلنا إلى جواره بقلب سليم، إنه سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ علي آل محسن
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ باقر القرشي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد صنقور
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
القدرة العجيبة المنسيّة لصناعة الإنسان
النّفس وتسويتها
ملامح من حياة الإمام علي الهادي (ع)
تصبَّر تكن أكثر سعادة وبأفضل صحة
الإمام علي الهادي (ع) والعطاء العلمي
الفرق بين (يفعلون) و(يعملون) و(يصنعون)
الإمام الهادي في مواجهة الاتجاه الجبري والقدري
الإمام الهادي: وارث خزائن المعارف
تحيّات النبي إلى الباقر عليه السلام
نصاعة الصوت في الأداء القرآني