الشّيخ عبد الهادي الفضلي
إنّ موضع غدير خُمّ من المواضع الإسلاميّة التي شهدت أكثر من موقفٍ من مواقف النّبيّ صلّى الله عليه وآله، والتي يمكننا تلخيصها بالتّالي:
1- وقوعه في طريق الهجرة النّبويّة.
2- وقوعه في طريق عودة النّبيّ صلّى الله عليه وآله من حجّة الوداع.
3- وقوع بيعة الغدير فيه.
وكلّ واحد من هذه المواقف الثّلاثة يشكّل بُعداً مهمّاً في مسيرة التّاريخ الإسلامي .
فالهجرة كانت البدء لانتشار الدّعوة الإسلاميّة وانطلاقها خارج ربوع مكّة، ومن ثمّ إلى العالم كلّه .
وحجّة الوداع والعودة منها إلى المدينة المنوّرة كانت ختم الرّسالة؛ حيث كَمُل الدِّين فتمّت النّعمة .
وبيعة الغدير هي التّمهيد لعهد الإمامة والإمام، حيث ينتهي عهد الرّسالة والرّسول .
ومن هنا اكتسب موضع «غدير خُمّ» أهمّيّته الجغرافيّة في التّراث الإسلاميّ، ومنزلته التّكريميّة كمَعْلَمة خطيرة من معالم التّاريخ الإسلامي .
واشتهر الموقع بحادثة الولاية للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، أكثر من شهرته موقعاً أو منزلاً من معالم طريق الهجرة النّبويّة، أو من طريق العودة من حجّة الوداع.
اسم الموقع
-1 اشتهر الموضع باسم: «غدير خُمّ»، ففي حديث السّيرة لابن كثير: «عن عبد الله بن محمّد بن عقيل: سمع جابر بن عبد الله يقول: كنّا بالجحفة بغدير خُمّ، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله من خباء أو فسطاط..».
وفي حديث زيد بن أرقم، قال: «خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله بغدير خُمّ تحت شَجَرات».
-2 كما أنّه يُسمّى بـ «وادي خُمّ»؛ أخذاً من واقع الموضع، قال الحازمي: «خُمّ: وادٍ بين مكّة والمدينة عند الجُحفَة، به غدير، عنده خَطَبَ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
-3 وقد يُطلق عليه «خُمّ» اختصاراً، كما في كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني.
-4 وأُطلق عليه في بعض الحديث اسم: الجُحْفَة؛ من باب تسمية الجزء باسم الكلّ، لأنّ خُمَّاً جزء من وادي الجحفة الكبير.
وقد جاء هذا في حديثٍ أخرجه النّسائي في (الخصائص)، ونصّه: «عن عائشة بنت سعد قالت: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم الجُحْفَة..».
-5 ويقال له: «الخرّار»، قال السّكوني: «موضع الغدير غديرِ خُمّ يقال له: الخرّار».
-6 ويختصر ناسُنا اليوم الاسم فيُطلقون عليه: «الغدير».
-7 الغُرَبَة، وهو الاسم الرّاهن الذي يُسمّيه به أبناء المنطقة في أيّامنا هذه، قال البلادي في (معجم معالم الحجاز): «ويُعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة"، يقع شرق الجُحفة على ثمانية أميال [هكذا]، وواديهما واحد، وهو وادي الخرّار» .
ويُقيّد لفظ «الغدير» بإضافته إلى «خُمّ» تمييزاً بينه وبين غُدران أُخَر، قُيّدت - هي الأخرى - بالإضافة، أمثال:
- غدير الأشطاط: موضع قرب عسفان.
- غدير البنات: في أسفل وادي خماس .
وقد يُطلق على غديرنا: «غدير الجُحْفة»، كما في حديث زيد بن أرقم: «أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع حتّى نزل بغدير الجُحفة بين مكّة والمدينة..».
سبب التّسمية
نستطيع أن نستخلص من مجموع التّعريفات التي ذكرَتها المعجمات العربيّة للغدير، التّعريف التالي:
الغدير: هو المنخفض الطّبيعيّ من الأرض، يجتمع فيه ماء المطر أو ماء السَّيل، ولا يبقى إلى القيظ.
وعلّلوا تسمية المنخفض الذي يجتمع فيه الماء «غديراً» بــأنّه اسمُ مفعول لمغادرة السَّيل له؛ أي أنّ السَّيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره؛ بمعنى يتركه بمائه .
أمّا «خُمّ»، فعَن الزمخشري أنّه قال: «خُمّ: اسمُ رجلٍ صبّاغ، أُضيف إليه الغدير الّذي بين مكّة والمدينة بالجحفة». وقِيل: «إنّ خُمّاً اسمُ غيضةٍ هناك، وبها غديرٌ نُسِبَ إليها».
تحديد الموقع جغرافيّاً
نصَّ غيرُ واحدٍ من اللّغويّين والجغرافيّين والمؤرّخين على أنّ موقع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة. ففي (لسان العرب) - مادّة خمم: «وخُمّ: غدير معروف بين مكّة والمدينة».
وفي (النّهاية) لابن الأثير، مثلُه.
ويبدو أنّه لا خلاف بينهم في أنّ موضع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة، وإنّما وقع شيء قليل من الخلاف بينهم في تَعيين مكانه بين مكّة والمدينة، فذهب الأكثر – ومنهم ابن منظور في (لسان العرب)، والفيروزآبادي في (القاموس المحيط) - إلى أنّه في «الجُحفة»، ويعنون بقولهم: «في الجحفة» أو «بالجحفة» وادي الجحفة، لا القرية الّتي هي الميقات؛ وذلك بقرينة ما يأتي من ذِكرهم تحديد المسافة بين غدير خُمّ والجُحفة، الذي يعني أنّ غدير خُمّ غير الجحفة (القرية)؛ ولأنّ وادي الجحفة يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر، فيكون الغدير جزءاً منه، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزءٌ منه .
وتفرّد الحميري في (الرّوض المعطار) فحدّد موضعه بين الجُحفة وعسفان، وهو - من غير ريبٍ - وَهْمٌ منه.
ونخلص من هذا إلى أنّ غدير خُمّ يقع في وادي الجُحفة، على يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلى مكّة، عند مبتدأ وادي الجُحفة، حيث منتهى وادي الخرّار .ومن هنا كان أنْ أسماه بعضهم بالخرّار.
أمّا المسافة بين موضع غدير خُمّ والجحفة (القرية = الميقات)، فَحُدّدت - فيما لديَّ من مراجع - بالتّالي:
حدّدها البكري في (معجم ما استعجم) بثلاثة أميال، ونَقل عن الزمخشري: أنّ المسافة بينهما ميلان.
وإلى القول بأنّ المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في معجمه، وقدّر الفيروزآبادي المسافة بثلاثة أميال، قال في (القاموس). وقدّرها بميل كلّ من نصر وعرّام.
وهذا التّفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثّلاثة، أمر طبيعيّ؛ لأنّه يأتي - عادةً - من اختلاف الطّريق التي تُسلك.
وصفُ الموضع تاريخيّاً
احتفظ لنا التّاريخ بصورةٍ تكاد تكون كاملة المعالم، متكاملة الأبعاد، لموضع غدير خُمّ، فذكر أنّه يضمّ المعالم التّالية:
-1 العين: في (لسان العرب) – مادّة خمم: «قال ابن الأثير: هو موضعٌ بين مكّة والمدينة تصبّ فيه عين هناك».
وفي (معجم البلدان): «وخمّ: موضع تصّب فيه عين» وتقع هذه العين في الشّمال الغربي للموقع.
-2 الغدير: وهو الّذي تصبّ فيه العين المذكورة، كما هو واضحٌ من النّصوص المنقولة المتقدّمة.
-3 الشّجر: في حديث الطّبراني: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله خطب بغدير خُمّ تحت شجرات».
وفي حديث الحاكم: «لَمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله من حجّة الوداع، ونزل غدير خُمّ، أمر بدَوحات فقُمِمن».
والشّجر المشار إليه هنا من نوع «السَّمُر»، واحده «سَمُرَة»، وهو من شجر الطَّلَح؛ وهو شجرٌ عظيم، ولذا عُبِّر عنه بـ «الدّوح» كما في الأحاديث والأشعار، واحدُه«دَوحة»؛ وهي الشّجرة العظيمة المتشعّبة ذات الفروع الممتدّة .وهو غير «الغيضة»الآتي ذكرها؛ لأنّه متفرّقٌ في الوادي هنا وهناك .
-4 الغَيْضة: وهي الموضع الّذي يكثر فيه الشّجر ويلتفّ، وتُجمع على غياض وأغياض. وموقعها حول الغدير، كما ذكر البكري في (معجم ما استعجم)، قال: «وهذا الغدير تصبّ فيه عينٌ، وحوله شجرٌ كثيرٌ ملتفّ، وهي الغَيضة».
-5 النّبت البَرّي: نقل ياقوت الحموي في معجمه البلدانيّ عن عرّام، أنّه قال: «لا نبت فيه غير المَرْخ، والثُّمام، والأراك، والعشر».
-6 المسجد: وذكروا أنّ فيه مسجداً شُيِّد على المكان الّذي وقف فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وصلّى وخطبَ ونصبَ عليّاً للمسلمين خليفة ووليّاً .
وعَيّنوا موقعه بين الغدير والعَين، قال البكري في معجمه: «وبين الغدير والعين مسجدُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله».
ويبدو أنّ هذا المسجد قد تَداعى ولم يبقَ منه في زمن الشّهيد الأوّل (استُشهد: ٧٨٦ للهجرة) إلّا جدرانه، كما أشار إلى هذا الشّيخ صاحب الجواهر في (الجواهر) نقلاً عن كتاب (الدّروس في فقه الإماميّة) للشّهيد الأوّل، قال: «وفي الدّروس: والمسجدُ باقٍ إلى الآن جدرانُه، والله العالم».
أمّا الآن، فلم نَجِد له أثَراً.
-7 ونقل ياقوت في (معجم البلدان) عن الحازمي أنّ «هذا الوادي موصوفٌ بكثرة الوخامة». يقال: وَخِم المكان وخامة: إذا كان غير ملائم للسّكنى فيه .
-8 ومع وخامته ذكر عرّام: «وبه أناسٌ من خُزاعة وكِنانة غير كثير».
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة