نعلم أنّ الفناء هو أعلى مراتب القرب من الله سبحانه وتعالى. (الفناء) يعني تجاهل ونسيان كل شيء، وكل ذي نفس، بل وحتى الذات في مقابل الخالق الجبار، أي أن يصل المرء إلى مرحلة لا يرى فيها الوجود الدنيوي إلاّ سراباً، ولا يشاهد هذا العالم المخلوق إلاّ كظلٍّ باهت زائل.
يرى الله في كل مكان، ويبحث عنه في كلِّ مكان. كالفراشة التي تدور حول شمعة تحترق، يصهر ذاته في وجود الله، فلا يرى قيمةً لكيانه في حضرة الإله.
يُعد (التسليم المطلق) لإرادة الله (سبحانه وتعالى) واحداً من الآثار المرتّبة على وصول المرء لهذا المقام، فما يريده الله هو المراد، وما يحبه هو الأصلح. فرضاه من رضا الله، ورضا الله من رضاه.
وبهذه المعايير العرفانية نتوجه صوب المقام العرفاني لسيدة نساء العالمين، ونتعرّف على مدى سمو منزلتها عند الله، ونطّلع على الحقيقة التي أشار إليها رسول الإسلام الكريم (صلّى الله عليه وآله).
- نصّت الكتب المعروفة لأهل السنة على الكثير من الروايات التي تشير إلى أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قال لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام): (إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك) (1).
- ورد في (صحيح البخاري) الذي يُعد من أشهر مصادر الحديث عند العامة، أنّ الرسول (ص) قال: (فاطمة بضعة مني فمَن أغضبها فقد أغضبني) (2).
- ونطالع في مكان آخر من نفس المصدر هذا الحديث: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله). (فإنّما هي فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) (3).
وإنَّ الأحاديث كثيرة في هذا المجال، وكلها تحكي عن المقام العالي لفاطمة الزهراء (عليها السلام) في معرفة الخالق، وعن درجة عصمتها، وإيمانها وإخلاصها، فقد سمت بمقامها إلى الله سبحانه وتعالى، حتى صار رضاها وغضبها مرآةً لرضا الله ورسوله، وسخطهما، ولا يمكن أن تُعادل هذه الدرجة السامية بأي شيء.
- ورد في (صحيح الترمذي)، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنّما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما نصبها) (4).
من البديهي أنّه لا يمكن لظاهرة الحنان التي تربط الوالد بولده أن تُفسّر هذا الأمر، أنّ النبي (ص) رسول الله لا يريد إلاّ ما أراد الله، وأنّ رضا وسعادة فاطمة (عليها السلام) من رضا الله ورسوله، ما هو إلاّ دليل على صهر إرادتها فيما يريده الله ويرضاه.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، وهي أنّ البعض فسّر جملة (فاطمة بضعة مني) على أنّها جزء من جسد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، في الوقت الذي يدل مفهوم الحديث، على أنّ فاطمة (عليها السلام) جزء من كيان ووجود أبيها محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ومن الناحيتين المادية والروحية...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 153. كما نقل هذا الحديث (ابن حجر) في (الإصابة) و (ابن الأثير) في (أسد الغابة).
2. صحيح البخاري (كتاب بدء الخلق) باب، مناقب قرابة رسول الله.
3. صحيح البخاري (كتاب النّكاح) باب ذبّ الرّجل عن ابنته، ورد مضمون هذين الحديثين في كتب معروفة مثل (خصائص النسائي)، (فيض الغدير)، (كنز العمّال)، (مسند أحمد)، (صحيح أبى داوود) و(حلية الأولياء).
4. صحيح الترمذي، ج 2، ص 319.
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (2)
السيّدة زينب (ع) من أقوى عناصر كربلاء
طراوة الدّم في الصّفاح
آه لوجدك يا زينب
شعراء عائلة المؤمن: لأبكينَّك شعرًا
مقدار ما سُلبَ من نساء أهل البيت (ع)
زينب (ع) شاهدة النهضة
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (1)
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)