تحدّث سماحة السيد حسن النمر في خطبة له بعنوان: التفقه الشامل، مؤكدًا أنه يرشد إلى مواقع الأقدام والإحجام، وفيه سلامة الدنيا والدين، وذلك في 12 جمادى الأول 1446 ه في مسجد الحمزة عليه السلام بسيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وإن من أسباب التقوى أن يتفقه الإنسان تفقهًا شاملًا.
ونعني بالتفقه الشامل أن تتسع نظرة الإنسان نحو الأمور والأشياء والحوادث، وألا يقتصر نظره على زاوية دون أخرى.
ففي مقام الذم لمنكري الوحي بسبب نظرتهم الضيقة، قال الله تعالى:
"وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء".
لنقف وإياكم على نموذج حي من ذلك:
فقد روى الشيخ الكليني بسند حسن عن حريز، قال:
كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) أي الإمام الصادق دنانير، وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن. فقال إسماعيل: يا أبتِ، إن فلانًا يريد الخروج إلى اليمن، وعندي كذا وكذا دينار، ترى أن أدفعها إليه ليبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بني، أما بلغك أنه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل: هكذا يقول الناس. فقال: يا بني، لا تفعل.
فعصى إسماعيل أباه، ودفع إليه دنانيره، فاستهلكها (أي أتلفها) ولم يأته بشيء منها.
وقضي أن أبا عبد الله عليه السلام حج وحج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ويقول: اللهم آجرني واخلف علي، فلحقه أبو عبد الله عليه السلام فهمزه بيده من خلفه، وقال له: "مه يا بني، فلا والله ما لك على الله حجة، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك، وقد بلغك أنه يشرب الخمر، فأتمنته".
فقال إسماعيل: يا أبتِ، إني لم أره يشرب الخمر، إنما سمعت الناس يقولون. فقال:
"يا بني، إن الله عز وجل يقول في كتابه: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين. يقول: يصدق الله ويصدق للمؤمنين. فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم، ولا تأتمن شارب الخمر، فإن الله عز وجل يقول في كتابه: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم. فأي سفيه أسفه من شارب الخمر؟ إن شارب الخمر لا يُزوّج إذا خطب، ولا يُشفع إذا شفع، ولا يُؤتمن على أمانة، فمن ائتمنه أمانة فاستهلكها، لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه".
انتهى الحديث.
وقد تضمن هذا الحديث أيها المؤمنون فوائد عديدة ينبغي الوقوف عندها لتحصيل التفقه الشامل:
الفائدة الأولى
إن الصالحين من الناس يزاولون التجارة، فهي ليست مرفوضة بل قد تكون مفروضة.
فها هو إسماعيل، الذي هو نجل إمامنا الصادق (عليه السلام)، وهو رجل صالح، يسعى في مزاولتها، ولم ينهه الإمام عن ذلك.
الفائدة الثانية
حسن أدب إسماعيل في تعامله مع والده. فقد استشاره ولم يتجاوزه برأيه. ولا يبعد أنه فعل ذلك باعتبار أبوته، لا باعتبار إمامته، بقرينتين:
الأولى: أنه خاطب الإمام (عليه السلام) بقوله "يا أبتِ"، وليس باعتباره إمامًا، وإلا لكان المناسب أن يقول "يا سيدي" ونحو ذلك.
الثانية: أن أباه (عليه السلام) نهاه، ولكنه، أي إسماعيل، خالفه. ولو كان تعامله على أساس الإمامة، لما خالفه لأنه يعتقد ذلك في أبيه (عليه السلام).
الفائدة الثالثة
إن الأسر ذات الشأن قد يكون فيها من لا تحمد سيرته. فها هو رجل من قريش يشرب الخمر، ويُعرف بين الناس بذلك.
فلا ينبغي إذًا أن يُسارع إلى الاطمئنان إلى كل أحد بمجرّد الانتساب إلى أسرة ذات مكانة.
الفائدة الرابعة
ما يشيع بين الناس من أخبار على ثلاثة مستويات:
ما يُركن إليه، وهو ما اجتمعت فيه شرائط الوثوق بثبوته ووقوعه، كإخبار المؤمنين المتثبتين عن شخص بمعصية شرب الخمر، وكان إخبارهم عن علم ودراية معتبرين شرعًا.
ما يتحفظ عليه ويُحتاط فيه، وهو ما يحتمل الوقوع وعدمه، ويسمى بالإشاعات التي لا أساس يعتمد عليها.
ما يُنكر ويردّ بالجزم، وهو ما كان من الأباطيل التي لا تصدق.
الفائدة الخامسة
إن المصائب، ومنها الخسائر المادية، إذا وقعت، فإن من الأدب أن يُسأل الله تعالى فيها التعويض والخلف. وهذا ما فعله إسماعيل حيث قال:
"اللهم أجرني واخلف علي".
لابد أن إسماعيل اعتقد العمل بقول الله تعالى:
"وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون".
الفائدة السادسة
للدعاء شروط، ومنها ألا يخالف تعاليم الله وأحكامه. وهذا ما نبّه الإمام الصادق (عليه السلام) ولده إسماعيل إليه.
الفائدة السابعة
شرب الخمر معصية كبيرة. قال تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون".
الفائدة الثامنة
المال نعمة لا يجوز التفريط فيه، واللازم التعامل معه بحكمة وحنكة.
الفائدة التاسعة
شارب الخمر لا يُعامل كشخص سوي.
الفائدة العاشرة
على المؤمن أن يتفقه في دينه وفي الناس، لأن التفقه الشامل يرشد إلى مواقع الأقدام والإحجام، وفيه سلامة الدنيا والدين.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًّا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين.
اللهم من أرادنا بسوء فاردده، ومن كادنا فكده.
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واغنِ فقرائنا، وأصلح ما فسد من ديننا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السيد عادل العلوي
الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
هل يعاد المعدم؟
زهور المستقبل يحتفي بذوي الإعاقة
فاطمة الزهراء (ع) في معراج النبيّ (ص)
الشيخ عبد الجليل الزاكي: المظهر المادي للكفر بالله
دلالة الحديث القدسي: لولا فاطمة ما خلقتكما
(فدك في التاريخ): قراءة تحليلية في بنية السلطة وصراع الشرعية
(جروح الليالي) قصيدة مؤثرّة أبدع بها الرّادود علي آل تراب
العهد التأسيسي للفقه
الإسلام والمواثيق
القرآن الكريم ماحل مصدّق