علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

أيهما يستهلك طاقة جسم أكثر، المشي أم الجري للمسافة نفسها؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

بعد أن رن جرس المنبه عند الساعة 7:30 صباح يوم من أيام الاثنين، وجدت نفسك متأخرًا بحوالي 30 دقيقة عن موعد عملك الذي يبعد مسافة 3 كيلومترات عن بيتك، وتحتاج عادة إلى 45 دقيقة لقطع هذه المسافة مشيًا على الأقدام، ولكن بما أنك متاخر في هذا الصباح ستضطر إلى الركض لعشرين دقيقة حتى تصل إلى هناك أبكر. نعم، ولكن ستشعر بالتعب والإرهاق بحلول فترة الغذاء وسيكون لديك انطباع بأنك استهلكت كمية طاقة أكثر من المعتاد في قطع هذه المسافة ركضًا. بيد أن المسافة التي قطعتها ركضًا هي ذات المسافة التي تقطعها مشيًا في الأيام الأخرى. إذًا كيف نفسر ما حدث؟

يُطلق على استهلاك السعرات الحرارية المتعلقة بأي نشاط "التكلفة الأيضية [للمشي]"، وتقابل مقدار الطاقة التي تستهلكها أعضاؤنا لمشي مسافة محددة [وهي الطاقة الأيضية المستهلكة، لكل كيلوغرام من كتلة الجسم لكل متر يُقطع مشيًا على الأقدام، ويعبر عنها كميًّا بـ جول / كغم / م (1)]. وتُحسب هذه التكلفة الأيضية بتحليل مقدار الأوكسجين الذي يستهلكه الجسم وثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه، وبذلك نتمكن من تقدير كمية الطاقة المستهلكة، وبالتالي نعرف تكلفة الأيض. باستخدام هذه الطريقة، أجاب الباحثون في سبعينيات القرن الماضي بالفعل عن سؤالنا هذا.

ربما ليس من المستغرب أن يستهلك الجري كمية طاقة أكثر مما يستهلكه المشي لنفس المسافة المقطوعة. لكن لماذا؟

 

الطاقة المفقودة حال الركض

تصور أنك تشاهد شخصًا راكضًا. لاحظ الآن عن كثب الحركة العمودية (التي يتحرك بها الحوض والرأس ارتفاعًا وانخفاضًا). كما هو واضح من الرسم البياني أدناه، عندما نركض، فإن المسافة التي يتحركها جسمنا ارتفاعًا وانخفاضًا أطول من المسافة التي نقطعها مشيًا عاديًّا. لإنتاج هذه الحركة العمودية، لا بد أن تولد عضلات الأطراف السفلية قوة أكثر، وهذا من شأنه أن يستهلك الكثير من الطاقة، لكن ذلك لا يقربنا من وجهتنا. لذلك، عند الجري، تستخدم جانب من الطاقة المستهلكة لتحريك أجسامنا عموديًا انخفاضًا وارتفاعًا، ولكن لا تحركها هذه الطاقة الإضافية المستهلكة إلى الأمام (أفقيًّا). وبالتالي فإن الطاقة اللازمة لقطع مسافة 3 كيلومترات لابد أن تكون أعلى في حال الجري منها في حال المشي.

 

 

ولا يقتصر هذا الاختلاف بين المشي والجري على ما يحدث أثناء النشاط نفسه. في الواقع، يسبب كل تمرين بدني استهلاك طاقة متأخر، تضاف إلى استهلاكها أثناء النشاط. [كمية الطاقة المستهلكة تعني الطاقة التي يستخدمها الشخص للحفاظ على وظائف الجسم الأساسية (التنفس، الدورة الدموية، الهضم) نتيجة للنشاط البدني الذي يقوم له (2)].

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن الجري يستهلك طاقة أكثر من المشي. بعد الجري لمسافة 3 كيلومترات مباشرةً، يستمر استهلاك الطاقة [استهلاك الطاقة المتأخر] المتزايد لعدة دقائق مقارنة باستهلاك الطاقة حال الراحة، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم وتعويض احتياطيات الجسم من الطاقة المستهلكة. وهذا الاستهلاك الإضافي بعد التوقف عن الجري هو أكثر من ضعف ما لوحظ بعد المشي العادي (3)، وذلك بسبب اختلاف الشدة بين التمرينين (المشي والركض).

 

كل هذا يتوقف على السرعة

وبالتالي فإن الجري ينطوي على استهلاك سعرات حرارية أعلى مما يستهلكه قطع المسافة نفسها مشيًا. ولكن هذا بشرط أن تكون سرعة المشي "طبيعية" (حوالي 5 كم في الساعة). لذلك، لو مشينا ببطء شديد، فسوف يستغرق الأمر وقتًا أطول لقطع مسافة 3 كيلومترات، ما يؤدي إلى زيادة في استهلاك السعرات الحرارية في النهاية. وذلك لأن الجسم يستهلك قدرًا معينًا من الطاقة لكل وحدة زمنية بغض النظر عن النشاط الذي يؤديه (المعروف باسم “معدل الأيض الأساس (4)”).

وينطبق الشيء نفسه على ما إذا كانت وتيرة المشي سريعة جدًّا (أكثر من 8 كم في الساعة) (5): فالجري يُعدّ أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة [هو استخدام كمية أقل من الطاقة لإنتاج التأثير نفسه أو أداء الوظيفة نفسها]. وهنا التنسيق المطلوب للمشي بهذه السرعة يعني أننا نحتاج إلى تنشيط عضلاتنا بشكل أكثر، دون أن نتمكن من الاستفادة من مرونة أوتارنا كما هو الحال في الجري، [الأوتار هي أنسجة تربط العضلة بجزء آخر من الجسم (6)].

علاوة على ذلك، لدينا تصور بديهي دقيق جدًّا لكفاءة استهلاك الطاقة لنمط معين من الحركة. إذا مشينا على جهاز مشي (التريدميل) تزداد سرعته تدريجيًّا، فإن النقطة التي نتحول فيها تلقائيًّا من المشي إلى الجري تتزامن مع اللحظة التي يصبح فيها المشي أكثر استهلاكًا للطاقة من استهلاكها حال الجري (7).

في الختام، بسبب التأرجح العمودي (ارتفاعًا وانخفاضًا) لمركز كتلة الجسم واستهلاك الطاقة المرتفع بعد التمرين، فإن الجري إلى العمل يستهلك طاقة أكثر من قطع المسافة نفسها مشيًا عاديًّا. لكن تذكر، سواء اخترت المشي أو الركض إلى العمل، فإن الشيء الأكثر أهمية هو أنك بالفعل قد وفرت طاقة!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر من داخل النص وخارجه

1- https://www.nature.com/articles/s41598-019-45602-4

2- http://https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-1-4419-1005-9_454

3- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/22446673/

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/معدل_الأيض_الأساسي

5- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/29925582/

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/وتر_(تشريح)

7- http://https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S096663622100120X

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/walking-or-running-for-the-same-distance-which-consumes-more-energy-233943

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد