
كان من أخلاق زين العابدين، وما أخلاقه إلّا أخلاق أبيه الحسين، وما أخلاق الحسين إلّا أخلاق أبيه عليّ، وما أخلاق عليّ إلّا أخلاق ابن عمّه محمّد، وما أخلاق محمّد إلّا أخلاق القرآن الّتي عبّر عنها الرّسول بقوله: «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». والّتي شهد الله بها لرسوله في محكم كتابه العزيز ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وكلّ واحد من أئمّة أهل البيت على خلق جدّه النّبيّ المختار صلى الله عليه وآله.
كان من أخلاق الإمام زين العابدين عليه السلام الإحسان لمن أساء إليه؛ فقد روي أنّه كان له ابن عمّ يؤذيه، فكان يأتيه الإمام ليلاً، ويعطيه الدّنانير، وهو متستّر، فيقول له: لكن عليّ بن الحسين لا يصلني، لا جزاه الله خيرًا، فيسمع الإمام ذلك ويصبر، فلمّا مات انقطعت عنه الدّنانير، فعلم أنّ الّذي كان يعطيه ويصله هو الإمام زين العابدين عليه السلام.
وكان هشام بن إسماعيل واليًا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان، وكان أيّام ولايته يتعمّد الإساءة إلى الإمام زين العابدين عليهالسلام، ولـمّا حكم الوليد بعد والده عبد الملك عزل هشامًا، وأمر أن يوقف في طريق عام، ويعرض للنّاس، كي يقتص منه كلّ من أساء إليه أيّام ولايته، فكان الّذين يمرون به من الّذين ظلمهم، وأساء إليهم يشتمونه، ويضربونه، ويطالبونه بردّ ظلامتهم، وكان أخوف ما يخاف من الإمام زين العابدين عليه السلام لكثرة ما أساء إليه.
ولكنّ الإمام عليه السلام جمع أهله وخاصّته، وأوصاهم أن لا يتعرض له أحد منهم بما يكره، وكان يمر به فيسلم عليه، ويلطف به، ويقول له: انظر، إلى ما أعجزك من مال تطالب به، فعندنا ما يسعدك فطب نفسًا منّا ومن كلّ من يطيعنا. فقال هشام: ﴿...اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ...﴾.
وبعد مذبحة كربلاء ثار أهل المدينة على الأمويّين وطردهم منها، وأراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله وأولاده، ويأمن عليهم عند من يحميهم من القتل، والتّشريد، فلم يقبلهم أحد، فضمّهم الإمام زين العابدين إلى عياله، وحماهم بكنفه، وأحسن إليهم، ودافع عنهم، ولم يدع أحدًا يصل إليهم بسوء.
والحكم والد مروان كان يؤذي الرّسول في مكّة، ويستهزئ به، ويخبر عنه المشركين، وقد عفا النّبيّ عنه فيمن عفا من الأمويّين يوم الفتح. وابنه مروان قاد الجيوش يوم الجمل مع عائشة، وطلحة، والزّبير لحرب أمير المؤمنين عليّ، وعفا عنه بعد أن وقع أسيرًا في قبضته، فتركه لينضم إلى معاوية يحارب عليًّا في صفّين، وبعد أن استتب الأمر لمعاوية، ونصّب مروان واليًا على المدينة جعل مروان يؤذي الإمام الحسن، ويجرّعه الغيظ، ثمّ كانت مجزرة الطّفّ، وظهرت مخازي الأمويّين في أبشع صورها.
وبعد هذا كلّه لا يصفح الإمام زين العابدين عن أسواء أميّة، ويتجاهلها فحسب، بل أحسن إليهم، وحمى لهم العيال والأطفال، وضمّهم إلى أهله وأولاده، ودفع عنهم السّوء والأذى، هذا بعد أن ذبح الأمويون أخاه الرّضيع، وأوطأوا الخيل صدر أبيه وظهره، وأسروا الإمام زين العابدين مع عمّاته مكبّلاً بالحديد، وهو لما به من الأسقام والآلآم.
ويعجب كلّ من عرف هذه الحقيقة، ويتساءل في حيرة وذهول: كيف فعل الإمام زين العابدين هذا الفعل مع من وقف ذاك الموقف معه، ومع جدّه، وأبيه، وعمّه، وإخوته، ونسائه؟! وهل هذا حلم وعقل، أو إنسانيّة ورحمة؟!.
والجواب: إنّ هذا سمو وترفع عن كلّ ما في هذه الحياة. سمو عن طبائع البشر، وانفعالات النّاس. وعمّا يشترك فيه أنا، وأنت، وغيرنا. إنّ هذا من صنع الإمامة، والعصمة لا من صنعي وصنعك، ولا من صنع الّذين يخطبون ويعظون.
لقد عفا محمّد عن أبي سفيان، وزوّجته هند، وعن وحشي وغيرهم، عفا عنهم، لأنّه مختار من الله لا من النّاس، وعفا عليّ عن مروان وابن العاصّ، لأنّه إمام بإرادة السّماء لا بانتخاب أهل الأرض، وفعل زين العابدين ما فعل، لأنّه الإمام ابن الإمام أبي الأئمّة الأطهار القائمين بحجّة الله على جميع خلقه.
فلا بدع إذن أن يحسن الإمام زين العابدين لمن أساء إليه، ولا عجب أن يفعل الأمويون ما فعلوا، وإنّما العجب أن لا يحسن الإمام لمن أساء إليه، وأن لا يسيء الأمويون إلى من أحسن إليهم، وإلى النّاس أجمعين، وهذا هو جواب الشّاعر الّذي قال:
وعليك خزي يا أميّة دائم
يبقى كما في النّار دام بقاك
فلقد حملت من الآثام جهالة
ما عنه ضاق لمن وعاك وعاك
هلّا صفحت عن الحسين ورهطه
صفح الوصي أبيه عن آباك؟
وعففّت يوم الطّفّ عفّة جدّه الــ
ــمبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟
أفهل يد سلبت إماءك مثلما
سلبت كريمات الحسين يداك؟
أم هل برزن بفتح مكّة حسّرًا
كنسائه يوم الطّفوف نساك؟
غزو مكة
الشيخ محمد صنقور
(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
معنى (سلق) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (1)
محمود حيدر
التّوحيد والمحبّة
السيد عبد الحسين دستغيب
من هي السيدة فاطمة عليها السلام؟
الشيخ شفيق جرادي
كيف يخاف النبي موسى عليه السلام من اهتزاز العصا؟!
السيد جعفر مرتضى
العالم كما نراه... وتأثير هذه الرؤية على نفوسنا
السيد عباس نور الدين
شكل القرآن الكريم (4)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الأدوية المعنويّة والأدوية المادّيّة
الشيخ علي رضا بناهيان
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
الشباب والرجوع إلى الدين
غزو مكة
(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)
معنى (سلق) في القرآن الكريم
عندما يصبح الهاتف أذكى منك: تصورات نفسية واجتماعية لمرحلة ما بعد AGI
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (1)
(أخلاق ومبادئ الطّلاق) محاضرة للشّيخ صالح آل إبراهيم
التّوحيد والمحبّة
علاج جديد ومبتكر يقتل خلايا السرطان بأمان باستخدام الضوء
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (8)