مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الغضب جمرة الشّيطان (2)

هل يصح التبرير بالظروف الخاصة؟

ينبغي أن يشار هنا إلى أن الغضب أمر قبيح بالمقدار الذي تحدثت عنه الروايات وقد أوردنا قسمًا منها، فهو جنون، وندم، وجمرة من الشيطان، ومركب الطيش ومثير للأحقاد وسبب للهلاك، وباختصار فهو يجمع الشر كلّه!!

وهذه الصفات تنطبق عليه سواء كان الإنسان في ظرف عادي أو ظرف صعب.. فإن قسمًا من الناس يقولون لقد كنت جائعًا أو صائمًا مدة ست عشرة ساعة!! فأغضبتني زوجتي فغضبت؟ أو كان رأسي يؤلمني فلم يفعل ما أردته منه فواجهته بكلمات غاضبة! أو أنني كنت في ظرف نفسي خاص فلا غرابة أن أكون غاضبًا!

نقول بوضوح: كل هذه التبريرات غير صحيحة ولا نافعة في تخفيف قبح الغضب الشخصي والسلبي! هو شر كلّه وهو جمرة شيطان متقدة وهو جنون وهو مركب طيش وهلاك! بل إننا نعتقد أن هذه الروايات إنما جاءت لكي تحذر من الغضب في هذه الحالات الخاصة، وإلا فلو أن إنسانًا كان جالسًا مرتاحًا وشبعانًا ومسترخيًا ولا مشكلة لديه فيغضب فجأة في هذا الظرف فإنه لا يكون عاقلًا بتاتًا! إنما يتوقع الغضب في حال الجوع والازدحام والألم وما شابه.. وهناك تقول الروايات إنه سيء ويحمل تلك السمات السلبية التي ذكرناها!

لذلك لا ينبغي أن يسمع تبرير البعض أنه كان كذا وكذا لذلك غضب! الغضب خطأ حتى في تلك الظروف! من الخطأ أن يفكر الغاضب بأن هناك مبررات طبيعية لغضبه (كالشمس المحرقة أو أنه لم ينم البارحة بما يكفي أو أنه صائم وجائع..الخ) ومن الخطأ أن يقبل المجتمع تبريره، وأن يجد له عذرًا في غضبه! فإن هناك العشرات من أمثاله تمر بهم نفس الظروف ولا يجدون أنفسهم يصرخون بأعلى أصواتهم غضابًا، ولا يتصرفون بحدة من شدة الطيش بل يعالجون المسائل بهدوء قدر ما تتحمل.

 

إعلاء منزلة كظم الغيظ:

على عكس ما يفكر فيه من أن الغضب قوة، وأنه يخيف الآخرين، لا بد أن يقال: إن الغاضب ضعيف الشخصية! وهزيل القوة! فإن الذي لا يستطيع أن يسيطر على لسانه حال الغضب، وعلى يده، وعلى مواقفه، فإنه يعتبر فاقدًا للقوة! وأما من يتحكم بأعصابه ويقدر على كظم غيظه فهذا هو القوي حقيقة!

لقد عظّم النبي محمد (ص) منزلة المسيطر على غضبه، عندما مرّ على جماعة يتصارعون ليروا أيهم أشد بأسًا وأقوى فقال لهم: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، وسأل (ص) - أصحابه -: ما الصُّرَعة فيكم؟ قالوا: الشديد القوي الذي لا يوضع جنبه (على الأرض)، فقال: بل الصرعة حق الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه واشتد غضبه وظهر دمه، ثم ذكر الله فصرع بحلمه غضبه.

 

ماذا نصنع عندما نستغضَب؟

عندما يستثار الإنسان ويستغضب، فلكي يتجاوز آثار الغضب والانفعال به ينبغي أن يقوم بخطوات متعددة:

1/ تذكر سلبيات الغضب، وأنه من الشيطان وأن آثاره ونتائجه مهلكة، فكم هدمت من عوائل وكم أزهقت أرواح على أثر الغضب ومن الممكن أن يكون غضب هذا الغاضب مؤديًا إلى إحدى تلك النتائج المؤسفة! وفي المقابل أن يتذكر سيرة الصالحين ممن مدحوا بكظم الغيظ كالذي نقل عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين.. حيث إن جارية له كانت تسكب عليه الماء فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت الجارية إن الله تعالى يقول (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ..) فقال: كظمت غيظي، قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ..) قال عفوت عنك! قالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى!

2/ ومن خطوات الوقاية من آثار الغضب ما ذكرته الروايات وهو تغيير الهيئة والمكان وظروف حالة الغضب. فقد ورد أنه ينبغي في مثل هذه الحالة أن يغير الإنسان من هيئته، فلو كان قائمًا فليجلس، وإلا بالعكس، وإن كان في مكان معين فليخرج من ذلك المكان، فإن تلك الأمور (بيئة الغضب) قد تساعد على اشتعال فتيله! فقد ورد عن رسول الله (ص) (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).

ومثل ذلك عن أبي جعفر (ع): (إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدًا حتى يدخل النار، وأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانه سيذهب عنه رجس الشيطان).

وتغيير المكان الذي حدث فيه المغاضبة والإشكال والانصراف عنه، فإذا كان حدث بين الطرفين مشكل في هذا المكتب فليذهب إلى مكتب آخر، أو ليخرج من العمل مؤقتًا إلى مكان آخر، ولو حصل بين الزوجين مغاضبة في صالة المنزل فلينصرف من يريد إسكات الغضب مثلًا إلى غرفة النوم أو إلى فناء المنزل الخارجي، أو ليخرج خارج المنزل وهكذا!

3/ ومن ذلك ما إذا كانت المغاضبة بين طرفين بينهما علاقة رحمية، كأب وابن أو أخوين أو أبناء عمومة، أو كان الزوجان من الأقارب، فإذا حصل بينهما مغاضبة وهو الغالب إذ كثرة الاختلاط وما يتبعها من الاختلاف هي في داخل العائلة.. فمما ينبغي فعله هنا الملامسة البدنية، فإن الرحم إذا لامست الرحم قرت وسكنت، ففي تتمة الحديث السابق عن الإمام أبي جعفر الباقر (..وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت)، ومثل ذلك قاله الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) لهارون الرشيد العباسي، عندما كان عازما على الفتك بالإمام.. فمس الإمام يده فسكن غضبه، وأخبره الامام بحديث عن رسول الله (ص)، في هذا المعنى.

4/ ومما يذكر أن له أثرًا في تخفيف الغضب وردع آثاره، إسباغ الوضوء، فإن للوضوء تأثيرًا نورانيًّا على الإنسان ولهذا استحب للمؤمن أن يكون دائمًا على وضوء وطهارة، بالإضافة إلى تأثيره البدني، وقد عبّر في بعض الأخبار عن الغضب بنار الشيطان، وبالجمرة المتوقدة فليكن ماء الوضوء هو المطفئ لتلك النار والجمرة! وقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تُطْفأ النار بالماء، فإذا وجد أحدكم غضبًا فليتوضأ).

5/ وليتذكر غضب الله سبحانه وتعالى عليه لو ظلم غيره ممن هو أضعف منه. أيها الغاضب قد تغضب على ابنك فتصفعه، أو على زوجتك فتشتمها، أو على سائقك وعاملك فتؤذيه.. تذكر أن هناك من هو أقوى منك وأنه لو شاء إذا غضب عليك حطمك ولا يبالي! وكما تدين تدان.

هذا ما يقوله الحديث، حيث ينقل شيخنا الكليني في الكافي رواية عن أحدهم فيقول: سمعت أبا عبدالله يقول إن في التوراة مكتوبًا يا ابن آدم اذكرني حين تغضب، أذكرْك عند غضبي، فلا أمحقك في من أمحق إاذا ظُلمت بمظلمة فأرض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خيرٌ من انتصارك لنفسك.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد