علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

القلب يفكر مع العقل

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

 

وفقًا للاعتقاد السائد (1) بالرغم من أن الانفعالات (2) (وما يترتب عليها من مشاعر) تنبع من القلب وأن التفكير المنطقي ينبثق من الدماغ، يبدو أن الأوساط العلمية تزداد اقتناعًا بأن الدماغ هو المسؤول الوحيد عن جميع العمليات الذهنية (انفعالات وتفكير منطقي).

 

لكن من المثير للاهتمام، هناك قرائن متزايدة تفيد بأن القلب، باحتوائه أيضًا على خلايا عصبية، له تأثير قوي في التفكير والمشاعر. وهذا لا يعني أن القلب يفكر مثل الدماغ، بل يعني أنه قد يتواصل مع الدماغ ويؤثر في المشاعر والقرارات.

 

في ورقة بحثية (3) نُشرت مؤخرًا في مجلة "تريندز إن نيوروساينسز Trends in Neurosciences، يقترح كل من أرنو فيلينجر Arno Villringer، وفاديم نيكولين Vadim Nikulinr، ومايكل غابلر Michael Gaeble من معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك البشري والدماغ (MPI CBS) مفهومًا جديدًا يُفسر الدور المهم للقلب في الكثير من العمليات العقلية (انفعالات وتفكير منطقي)، الترافق المتواتر بين أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض النفسية.

 

الأدلة العلمية: تُثبت الدراسات الحديثة أن القلب ليس مجرد مضخة دم، بل يحتوي على خلايا عصبية، وله دور محوري في الصحة النفسية، لا سيما في ظهور أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض النفسية (مثل القلق والاكتئاب) معًا في نفس الشخص. فالصحة العقلية (النفسية) لا تنفصل عن صحة القلب، حيث المشاعر والتفكير يتأثران بالتفاعل المستمر والمتبادل بين الدماغ والقلب.   

 

التكامل بين حالات الدماغ والبدن، حيث يعمل كلاهما باعتبارهما نظامًا واحدًا، ويؤثر كل منهما في الآخر، يقترح الباحثون أن كل تغيير في البدن، مثل نبضات القلب، مقترن بعملية ذهنية، مُشكلاً حالة تكاملية بين الدماغ والبدن تؤثر في المشاعر ومستويات التوتر النفسي (4).

 

تزامن حدوث الأمراض معًا (المصاحبة بين أمراض القلب والأمراض العقلية): هناك علاقة قوية بين الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والإصابة بحالات الصحة العقلية، مما يشير إلى أنه ينبغي مراعاة كليهما في استراتيجيات الوقاية والعلاج. إذا لا يمكن العناية بأحدهما وإغفال الآخر.

 

تأثير القلب والجهاز الدوري (الجهاز القلبي الوعائي) (5) يحدث في بضع ملي ثانية (ملي ثانية تساوي جزءًا من ألف جزء من الثانية)، ولكل نبضة قلب دورها وتأثيرها في نشاط الدماغ، حتى وإن لم ندرك ذلك. ويتجلى دور القلب في النفس (المشاعر) والإدراك (التفكير) في النسبة العالية من حدوث المصاحبة بين أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية، والإصابة بالأمراض العقلية، مثل الاكتئاب واضطرابات القلق. أرنو فيلينغر، مدير قسم طب الأعصاب في معهد ماكس بلانك لعلوم الدماغ، وصف المفهوم الجديد الذي جاء به فريقه البحثي بقوله: "هناك عدد من التفسيرات لهذا النسبة العالية من المصاحبة بين أمراض القلب والأمراض النفسية، لكن لم يتم إثبات أي منها بشكل قاطع حتى الآن. على سبيل المثال، ذُكرت ردود الفعل النفسية السلبية تجاه التشخيص بأمراض القلب والأوعية الدموية من قبل عدد من الباحثين باعتباره سببًا للإصابة بأمراض نفسية. من ناحية أخرى، يُعتبر نمط الحياة غير الصحي المصاحب للمرض النفسي عامل احتمال للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. مفهومنا يتمحور حول التكامل بين الأمراض العقلية والأمراض البدنية".

 

كل عملية بدنية، مثل دقة قلب أو أي تغير في ضغط الدم أو عملية أيض، تصاحبها عملية عقلية أو نفسية في المقابل. وهذا يعني أن بينهما علاقة وثيقة. حالات الدماغ والجسم (العلاقة بين العمليات العقلية والبدنية) تستغرق فترات زمنية مختلفة، تُوصف بأنها نظام ديناميكي: فحالات الدماغ والجسم قصيرة الأمد (المعروفة باسم "الحالات المكروية microstates") تُقابل، على سبيل المثال، مشاعر، مثل الغضب أو الخوف أو الفرح (مثل الشعور السريع بالخوف حال سماع صوت مزعج، حيث ينطوي ذلك على ارتفاع في نشاط اللوزة الدماغية، وتسارع ضربات القلب والتنفس وارتفاع فيمستويات الكورتيزول).

 

ومن أمثلة حالات الدماغ والجسم طويلة الأمد (المعروفة باسم "الحالات المتوسطة") الإجهاد الحاد أو المزمن، مثل الشعور بالتوتر في فترة معينة من اليوم. وتنعكس الأمراض النفسية والقلبية الوعائية في "الحالات الكلية أو الظواهرية macrostates" طويلة الأمد للدماغ والجسم، مثل الشعور بالتوتر المزمن أو ارتفاع ضغط الدم المزمن. غالبًا ما تترافق الأمراض النفسية مع الأمراض القلبية الوعائية، قد لا تظهر أعراضه السريرية مباشرة، والعكس صحيح. لذا، يمكن تشبيه الترافق الوثيق بين الأمراض النفسية والأمراض القلبية الوعائية بقمة جبل الجليد. قد تتراكم التغييرات الطفيفة والسريعة لتشكل تغييرات كبيرة ومزمنة، لأن الدماغ والجسم يمثلان نظامًا واحدًا ديناميكيًّا وغير منفصل يؤثر الواحد منهما في الآخر.

 

حتى لو ظهرت أعراض إحدى المشكلات فقط في البداية، مثل أعراض مرض نفسي أو أعراض مرض قلبي، فإن كلًّا من الجانب النفسي والبدني متداخلان ولابد من أخذهما في الاعتبار معًا من حيث الوقاية. بالإضافة إلى القلب والجهاز القلبي الوعائي تتفاعل الأعضاء والأجهزة الأخرى، وخاصة الجهاز المناعي، بشكل مستمر مع الدماغ والمشاعر، وبالتالي ينبغي دمجها والتفكير فيها من المنظور الموسع لمفهوم حالة الدماغ والبدن بطريقة مماثلة لفهم التأثير المشترك والمتبادل بينهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://hbrarabic.com/المفاهيم-الإدارية/الفكر-السائد/

2- "الانفعال emotion  (مثل البكاء، الضحك، الغضب الفجائي) هو شدة التأثر. و في علم النفس يعني: حالة نفسية ذات شحنة وجدانية قوية، مصحوبة بتغييرات فسيولوجية خاضعة للجهاز العصبي الودي، وبحركات تعبيرية كثيراً ما تكون عنيفة، وينشأ الانفعال عادة عن كبح لرغبات قوية كما في الغضب والخوف، أو عن إرضاء غير متوقع لهذه الرغبات، كما في الفرح”> مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:  https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-النفس/انفعال

3- https://www.cell.com/trends/neurosciences/fulltext/S0166-2236(25)00171-7

4- https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Mental/Pages/Stress.aspx

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_الدوران

6- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/نفس_(علم_النفس)

المصدر الرئيس

https://www.cbs.mpg.de/2403958/20250925?c=7533

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد