تطوُّرات القضية السياسية في عالم اليوم، إذ كانت المسألة السياسية محدودة لانقسام العالم إلى عدة دوائر ومجتمعات منفصلة بعضها عن بعض، وكانت العلاقات بينها محدودة جداً والمداخلات كذلك، والارتباط بينها إمَّا بالحرب أو بالهدنة المؤقتة. أما اليوم فقد تحول المجتمع الإنساني إلى عالم جديد متداخل في شؤونه السياسية والاقتصادية والثقافية يعتمد بعضه على بعض ولا يستغني بعضه عن بعض، عالم الأمم المتحدة والتعاون الدولي في مختلف المجالات، والعهود والمواثيق والقوانين الدولية الثنائية أو الجماعية، والتكتلات الإقليمية والدولية، والمداخلات والمؤامرات والنفوذ الدولي الواسع بسبب وجود هذا التشابك في العلاقات.
تطوُّر العلاقات والصلات الذي حوَّل العالم إلى عالم جديد، وهو عالم الاتصالات والمعلومات من خلال القنوات الفضائية وشبكات الاتصال الدولية، السلكية واللاسلكية والكمبيوتر و «الانترنيت» وسهولة التنقل والسفر، وملكية الأسهم، والشركات متعدّدة الجنسيّة، والتجارة الدولية، ونقل الأموال والبنوك العالمية، وتبادل الثقافات عن طريق الدراسة أو الكتب والمجلات والصحافة، والموسوعات والمعاجم، والترجمة وتعدُّد اللغات وما شابه ذلك، حتى صار العالم بأكمله يشبه المدينة الواحدة المكتظة بالسكان والمشكلات والمداخلات والتأثيرات المتبادلة من خلال هذه الارتباطات وتطوراتها الواسعة التي ألقت بظلالها الثقيلة على القضية السياسية والاقتصادية ـ أيضاً ـ وتشعباتها.
فمثلًا، في السابق، لم يكن هناك تدخل من القوى الكبرى في شؤون بلادنا إلّا بشكل محدود، مثل: الهيمنة على الثروات الرئيسية، أو الممرات الاستراتيجية، أو المناطق الحساسة، ومن طريق الحرب والقوة العسكرية المتوازنة نسبياً.
أما الآن، فإنّ التدخُّل يحصل بصورة يومية وفي جميع تفاصيل حياتنا الاجتماعية وبمختلف الأساليب، حتى بلغ الحال إلى أن تدخل هذه القوى إلى بيوتنا وغرف نومنا وتتحدَّث إلى أولادنا ونسائنا وأوساطنا السياسية والاجتماعية والثقافية في كل وقت وساعة؛ وذلك لإيجاد تحوُّلات ثقافية وحضارية وسياسية واقتصادية.
ولذلك، أصبحت القضية السياسية لها وضع جديد، لتمكُّن الحضارة الغربية من غزو الإنسان في عقر داره، بل حتى تنوعت في خطابها لبني الإنسان، فلو كان في البيت أسرة من خمسة أفراد فهناك خمسة خطابات في آن: واحد للطفل؛ خطاب تتحدث معه الحضارة الغربية، وللمرأة خطاب، ولرب البيت خطاب، وللشاب خطاب، وللفتاة خطاب. وربما تتحدث مع جميع هؤلاء في كل يوم بخطابات متعددة. وهذه العملية هي ما يعبر عنها بالغزو الثقافي في محاولة الهيمنة على عقائدنا وثقافتنا وسلوكنا واقتصادنا وجميع شؤوننا من خلال معركة حضارية يديرها الغرب المادي ضد حضارتنا الإلهية النبويَّة.
إذن، فنحن نحتاج إلى «قيادة مرجعية متفرِّغة» وإلى مراجع متخصِّصين لإدارة هذه المعركة ومواجهة هذا الغزو، وإلى مراجع متخصصين في العقيدة والفكر الإسلاميين، وتقديم الحلول والأجوبة لجميع المسائل والأسئلة، وإلى مراجع متخصصين في إدارة عملية المواجهة التي هي أكثر تعقيداً من المواجهة العسكرية التي تشتمل على الهجوم والانسحاب والمناورة والالتفاف، وإلى متخصصين في فهم المجتمعات وظروفها وجميع هذه المفردات.
في الهجوم الثقافي نحتاج إلى مثل هذه الإدارة، بل قد نحتاج أحياناً إلى مراجع متخصصين في هذا البلد أو ذاك، للإمساك بشؤون هذا البلد أو ذاك، وإدارته لاختلاف خصوصيات ذلك البلد عن هذا البلد.
ولعظم المسؤولية السياسية المنوطة بـ «المرجع» وأهميتها أعطى أهل البيت (عليهم السلام) كل هذا الزخم والأهمية القصوى للولاية حتى ربطوا (عليهم السلام) نتائج جميع الأمور العقدية والعبادية وقبولها بالولاية، لأنها الحصن الواقي والسور الحصين الحافظ لها . (1)
التَّطوُّر في أداء الأعمال وتنفيذها، فإن هذا التطوُّر في القضية السياسية وتداعياتها، وفي عالم الاتصالات والمعلومات، لازمه تطور آخر، وهو حلول المؤسسة والتخطيط العام السنوي والمرحلي، محل العمل الفردي والممارسة اليومية، فأصبح الفرد، في كثير من الأحيان، غير قادر على تحقيق الأهداف وحل المشكلات من دون الاستعانة بالأجهزة والعاملين عليها، ومن دون الارتباط بصورة مباشرة بالآخرين.
كما أصبح التخطيط للعمل القائم على حساب الإمكانات الفعلية والفرص المتاحة والأهداف المستقبلية وتقدير النشاطات والبرامج التي يمكن القيام بها، ضرورة من ضرورات العمل والوصول به إلى غاياته وأهدافه، ومواجهة النشاطات الأخرى المضادَّة أو المنافسة.
ولذا نشاهد في عالمنا المعاصر هذا التطور الكبير في وجود المؤسسات والشركات ومراكز البحث والتخطيط والتخصص والرجوع إليها أو الاعتماد عليها في مختلف النشاطات الكبيرة والصغيرة، حتى لا نكاد نجد نشاطاً مهما كان صغيراً أم كبيراً، أو موضوعاً مهما كان جزئياً أم عامَّاً، إلّا ووراءه خطة عمل وجماعة متخصِّصين.
(1) لقد ورد، في الحديث الصحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «قال: بُنِي الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة: فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنَّ، والوالي هو الدَّليل عليهنَّ. قلت: ثمَّ الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة، إنَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: الصلاة عمود دينكم. قال: قلت: ثمَّ الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة، لأنّه قرنها بها، وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): الزكاة تذهب الذنوب. قلت: والّذي يليها في الفضل؟ قال: الحج، قال الله عزَّ وجلَّ: ولله على النّاس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإنَّ الله غنيٌّ عن العالمين[آل عمران/97]، وقال رسول0 الله (صلي الله عليه و آله و سلم): لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال. قلت: فماذا يتبعه؟ قال: الصوم. قلت: وما بال الصوم صار آخر الجميع؟ قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): الصوم جنّة من النار، قال: ثمَّ؟ قال: إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبةٌ دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شيء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أياماً غيرها وجزيت ذلك الذَّنب بصدقة ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره، قال: ثمَّ قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه، وباب الأشياء ورضا الرَّحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: من يطع الرّسول فقد أطاع الله ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً[النساء/80]، أما لو أن رجلًا قام ليله وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله ، جلَّ وعزَّ، حقٌّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان. ثمَّ قال: أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته. (الوسائل، 2/1 ـ 19، حديث 5).
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام
تفسير القرآن الكريم بمعناه اللّغوي
البسملة