الدكتور عبد الهادي الفضلي
3 ـ الإمامية والزيدية والأباضية والمعتزلة
ذهبوا إلى القول بخلق القرآن وحدوثه .
واستدلوا على هذا بما خلاصته :
أ ـ من العقل :
1 ـ أن القرآن الكريم مؤلف من كلمات مركبة من حروف وأصوات متتابعة يتلو بعضها بعضاً ، فيعدم السابق منها بوجود لاحقه . والقديم لا يجوز عليه العدم ، وإذا انتفى قدمه ثبت حدوثه . وهو المطلوب .
وقرره القاضي المعتزلي بطريق آخر ، قال : « إن الكلام لا يعقل ولا يفيد إلا بأن يتولى حدوث حروفه على نظم مخصوص .
وما هذا حاله محال أن يكون قديماً .
كما أن المشي لا يعقل إلا بتوالي حدوث الحركات فمحال قدمها مع ذلك » 39 .
2 ـ أن القرآن الكريم لو كان قديماً لزم من ذلك الكذب عليه تعالى . ولأن الكذب باطل في حقه تعالى يكون قدم القرآن مثله باطلاً .
وتقرير هذا :
أنه تعالى أخبر بإرسال نوح ( عليه السلام ) بقوله :﴿ ... إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ... ﴾ 40، فلو كان القرآن أزلياً يكون هذا الإخبار أزلياً أيضاً ، ويكون المخبر به ـ وهو إرسال نوح ـ قبل الأزل .
وهو معنى قولنا يلزم منه الكذب . تعالى اللّه عن ذلك .
ولئلا نقع في مثل هذا المحذور الباطل لا مناص من القول بحدوث القرآن .
3 ـ أن القرآن الكريم لو كان قديماً لزم منه العبث الممتنع في حقه تعالى .
وتقريره :
أن في القرآن أوامر أمثال قوله تعالى : ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ... ﴾ 41.
فلو كان القرآن أزلياً كانت أوامره مثله أزلية .
ومعنى هذا حصول الأمر والنهي من دون وجود مكلف يخاطب بهما إذ لا مكلف في الأزل .
فيكون هذا من العبث ، والعبث قبيح ، فيمتنع في حقه . . فيبطل كون القرآن قديماً ، وإذا بطل كونه قديماً ثبت حدوثه وخلقه .
4 ـ أن النسخ في أوامر القرآن الكريم ونواهيه ـ وهو رفع حكم شرعي سابق بنص لاحق ـ جائز وواقع .
« وما ثبت زواله امتنع قدمه » ، فيثبت أن القرآن حادث وهو المطلوب .
5 ـ « أنه تعالى إذا أمر زيداً ـ مثلاً ـ بالصلاة ، فإذا أداها لم يبق ذلك الأمر ، وما ثبت عدمه امتنع قدمه » .
ب ـ من القرآن .
1 ـ قوله تعالى : ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ 42.
وقوله تعالى : ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ 43.
ووجه الاستدلال :
أن المراد بـ ( الذكر ) هنا ( القرآن ) بدليل قوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 44، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ 45.
وقد وصفه اللّه تعالى بالحدوث نصاً وصراحة ، فلو كان قديماً لما جاز وصفه بالحدوث .
6 ـ قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ... ﴾ 46.
بتقريب أن ( إذ ) ظرف زمان ، والمختص بزمانٍ معينٍ محدث . وما كان بعضه محدثاً كان كله محدثاً .
7 ـ وأخيراً : أوجز استدلالهم ببقية آي الذكر الحكيم بما قرره ملخصاً القاضي المعتزلي ، قال :
« والقرآن يدل على ذلك ( يعني الحدوث ) لأنه تعالى قال :﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ ... ﴾ 47.
وهذا يوجب أنه بعد غيره ، وهذا من علامات الحدوث .
وقال تعالى : ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ... ﴾ 48.
ومن حق الحديث أن يكون محدثاً .
وقال تعالى : ﴿ ... وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ 49.
والمفعول لا يكون إلا محدثاً .
ووصفه تعالى القرآن بأنه :
ينتسخ وينسى .
ويبتدأ به ومنه .
وبأنه ذكر محدث .
وبأنه مفصل محكم موصل .
وبأنه عربي .
وبأنه سور كثيرة .
يدل على أنه فعله ، لأن كل ذلك من علامات الحوادث والأفعال » 50 .
وردهم العضد الايجي بقوله :
« والجواب : أنها تدل على حدوث اللفظ ، وهو غير المتنازع فيه » 51 .
أقول : إن الايجي بهذا يقر بأن ما ذكروه من أدلة ناهض بإثبات مدعاهم ، وهو المطلوب .
وذلك لأنهم لا يريدون أكثر من إثبات حدوث هذا القرآن المتداول حفظاً وكتابة ، لأنهم لا يؤمنون بقرآن آخر وراء هذا القرآن ، إذ لم يقولوا بأن للّه كلاماً آخر غير هذا القرآن ، دل عليه هذا القرآن . وفكرة الكلام النفسي ناقشوها مسبقاً وانتهوا إلى بطلانها ، وهم الآن بصدد إثبات حدوث هذا القرآن المتداول .
ونخلص من هذا إلى :
1 ـ أن اعتبار القرآن الكريم بألفاظه والمداد الذي كتب به والورق الذي دوّن عليه صفة التكلم الإلهية الأزلية القائمة بذاته تعالى ، فكرة غير مقبولة ، لأنها إنكار لضرورة العقل وبداهة الوجدان .
2 ـ أن القول بأن القرآن حقيقة هو الكلام النفسي ، وهذا المصحف الذي بين أيدينا دال عليه ، هي الأخرى فكرة غير مقبولة ، لأن ما لا يتعقل لا يقبل ، ولأنه لم يبرهن عليها بما يفيد اليقين بها .
3 ـ وعليه : إن القرآن حقيقة هو هذا الذي بين أيدينا ، وإنه محدث ، خلقه اللّه تعالى ، وأنزله عن طريق الوحي على رسوله الكريم محمد بن عبد اللّه ( صلى الله عليه و آله ) ، وقرأه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بلسانه الشريف ، وبلّغه للناس كما أمره ربه تعالى ، وتلقاه المسلمون المعاصرون له ، ثم الذين من بعدهم جيلاً بعد جيل ، كما نزل عليه ، وكما قرأه عليهم .
وأضيف إلى ما يقدم :
1 ـ إننا لم نجد في القرآن الكريم ما يشير به اللّه تعالى من قريب أو من بعيد ، إلى القرآن الأزلي ( الكلام النفسي ) .
2 ـ والذي وجدناه في أكثر من آية هو أن اللّه تعالى يشير إلى هذا القرآن الذي بين أيدينا ، وهذا نص منه تعالى على أنه هو القرآن . لا ما يدّعى أو يتوهم من أن هناك آخر غيره قديماً .
وقد جاء هذا في اثنتي عشرة آية هي :
1 ـ ﴿ ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ ... ﴾ 52.
2 ـ﴿ وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ ... ﴾ 53.
3 ـ ﴿ ... بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ ... ﴾ 54.
4 ـ ﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... ﴾ 55.
5 ـ ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ... ﴾ 56.
6 ـ ﴿ ... هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ... ﴾ 57.
7 ـ ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ... ﴾ 58.
8 ـ ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ 59 .
9 ـ ﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ ... ﴾ 60.
10 ـ ﴿ ... فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ... ﴾ 61.
11 ـ ﴿ ... لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ... ﴾ 62.
12 ـ ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ ... ﴾ 63 .
ــــــــــــــــ
• 39. المختصر في اصول الدين : 339 .
• 40. القران الكريم: سورة نوح (71)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 570.
• 41. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 43، الصفحة: 7.
• 42. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 2، الصفحة: 322.
• 43. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 5، الصفحة: 367.
• 44. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 9، الصفحة: 262.
• 45. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 44، الصفحة: 492.
• 46. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 30، الصفحة: 6.
• 47. القران الكريم: سورة الأحقاف (46)، الآية: 12، الصفحة: 503.
• 48. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 23، الصفحة: 461.
• 49. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 37، الصفحة: 423.
• 50. المختصر في اصول الدين : 340 ـ 341 .
• 51. المواقف : 395 .
• 52. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 19، الصفحة: 130.
• 53. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 37، الصفحة: 213.
• 54. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 3، الصفحة: 235.
• 55. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 9، الصفحة: 283.
• 56. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 41، الصفحة: 286.
• 57. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 88، الصفحة: 291.
• 58. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 89، الصفحة: 291.
• 59. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 30، الصفحة: 362.
• 60. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 76، الصفحة: 383.
• 61. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 58، الصفحة: 410.
• 62. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 27، الصفحة: 461.
• 63. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 21، الصفحة: 548.
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
منتظرون بدعائنا
الشيخ صالح آل إبراهيم: ما المطلوب لكي يكون الزواج سعيدًا؟
آيات الأنفس الأولى
فرضية القائلين بالتكامل، وعدم وجود الحلقة المفقودة
الربّانية في ساحة الصراع
لمحة عن الإسكندر المقدوني
حاجة البشريّة إلى نظام
قارون والرأسمالية المستبدة
العسيّف يوقّع روايته الجديدة (مذكّرات أمل) في سيهات
السيد كامل الحسن: غياب الهدفية في حياة الإنسان