تناول الناس منذ القدم البحث عن الخير والشر، وهناك آراء مختلفة وتصنيفات متعددة تدور حول هذا الموضوع، سواء ضمن المباحث الكلامية أو المباني التوحيدية.
يعتقد بعض الناس أن الشر لا يوجد في العالم، وأنه لا يوجد في نظام الوجود إلا الخير، وأن الخير هو المهيمن والمسيطر، وأن الشر يعود إلى العدم، والعدم لا يحقق له وجوداً في عالم الوجود.
وفي الطرف المقابل، يرى البعض الآخر العكس؛ حيث أن هناك أشياء وحوادث خيرة في عالم الوجود، وكذلك هناك أشياء وحوادث شريرة غير مرغوب فيها تحدث في عالم الوجود.
والآن لنرى أي المذهبين هو الصحيح، ولنحدد المدرسة المنسجمة مع الواقع. ولأجل توضيح المسألة، نضرب مثالاً: افترضوا أن رساماً يرسم عصفوراً أو بلبلاً، وكان طول العصفور عشر سنتيمترات، فهو يريد أن يرسمه بدقة عالية، يمكنكم أن تعترضوا وتقولوا: إن ما تقوم به سيئ للغاية! بدعوى أنه لماذا لم ترسم لنا عصفوراً طوله ثلاثين سنتيمتراً؟ أو نصف متر مثلاً؟! فالرسام الذي رسم العصفور على قياس ثلاثين سنتيمتراً أو خمسين، نقول له: رسمك جيد. والحال أنكم لا تصفون نفس الرسام بالحسن أو القبح ولا تقولون له: إنه حسن أو سيئ؟! كذلك الخطّاط الذي يخط ويكتب لكم، تكون جميع مخطوطاته جيدة ورائعة، فيكتب خطوطاً رفيعة، وأخرى عريضة، ومنها ما هو من قبيل النسخ ومنها ما هو نسخة نستعليق. فهل يمكننا أن نقول له: بعض خطوطك جيدة والأخرى سيئة، والحال أنه هو خطّاط واحد؟ كلاً، أبداً، لا يمكن أن يقال له ذلك! فكلّ ما في الأمر أن هذه المخطوطة كتبت بواسطة هذا النوع من الخط، وتلك بواسطة نوع آخر، وهذا جيد وذلك جيد.
حينئذٍ، حينما تكون المسألة من هذا القبيل، تعالوا لنرى كيف نشأ عنوانا السوء والشر اللذان نطلقهما على الموجودات، فمن أين نشأ ذلك في الأصل؟! لماذا نقول: "ذلك الشيء سيء"؟ لماذا نقول: "الكلب غير جيد"؟ لماذا نقول: "الخنزير سيء"؟ ألا نقول ذلك؟! لماذا نقول: "الكافر سيء"؟ المشرك سيء.. لماذا نقول: "الحية سيئة"؟ الزنبور سيئ، العقرب سيئ.. ألا نقول إنّه سيء؟!
حينما تقول: "هذه البرتقالة سيئة"، نقول لك: لماذا؟ تقول: لأنها صغيرة؛ لأنك تشتهي أكل برتقالة كبيرة، وهي صغيرة لا تكفيك. فيظهر عنوان السوء، وهو ليس سوى أمرٌ اعتباري؛ وذلك لأنك تشتهي أكل برتقالتين، وهي لا تكفي. يعني: هي لا تشبعك بالشكل الأتم، وإنما تملأ نصف وجودك. لذلك تُطلق عليها عنوان السيء، ولو كان اشتهاؤك من الأول بحدود هذه البرتقالة (أي: الصغيرة)، ثم أعطوك برتقالة كبيرة، لكنت تقول: هي جيدة، لأن نصفها يكفيني، والنصف الآخر لا يوجب لي إلا الأذى ووجع الرأس.
إذن سبب قولك: "هذه البرتقالة الصغيرة سيئة والكبيرة جيدة" هو أنها لا تفي بالمقدار الذي تشتهيه أو المقدار اللازم لجسدك.
البرتقالة تخاطبنا وتقول لنا: "حضرة السيد! إن حدود وجودي منحصرة بهذا المقدار، وأنا أحركك وأوجب لك المسير بمقدار ذاتي. ثم هذه البرتقالة تقول ثانية: اذهبوا وأحضروا برتقالة ثانية، وضموها إليَّ كي نصبح سويا سببًا للإشباع. فلماذا تعيبون عليَّ وتستشكلون على وجودي؟! فأنا على مستوى وجود ذاتي كاملة، أنا برتقالة كاملة."
هي تامّة في جميع أنحائها وتركيبها من حيث لبها وبذورها وقشرها وجميع أوراقها. حسناً، تعالوا واحسبوا! حتّى لو ظلّ الإنسان يفكّر إلى يوم القيامة، هل يمكنه الإحاطة بجميع جوانب البرتقالة؟ وهل يمكنه فهم ذلك وتقديره؟ فالبرتقالة تقول: هذا هو حُسني... ولماذا تنعتونني بالرداءة والسوء؟ لا سوء فيّ!
ونحن لو فكّرنا ونظرنا بالأمر لوجدنا كلام البرتقالة صحيحاً، فلا سوء فيها، بل هي حسنة بتمام معنى الكلمة. غاية الأمر أنها وجودٌ حجمه خمسة وسبعون غرامًا، وتلك البرتقالة الأكبر وجودها يبلغُ المائة أو المائة والخمسين غرامًا، والموجودات جميعها مختلفة في عالم الوجود، يعني أن الله العلي الأعلى قد أعطى لكل وجودٍ ولكل موجودٍ شكلاً وجوديًا خاصًا؛ فواحدٌ طويل، وآخر قصير، وواحدٌ أسمر، وآخر أبيض، واحدٌ ذو عين واسعة، وآخر عينه صغيرة، واحدٌ يقدرُ على رفع مائة كيلو غرامًا عن الأرض، وآخر خمسين كيلو غرامًا، وكل ذلك على مستوى مرتبة ذاته حسنٌ محض، لا عيب فيه.. حسنٌ محض!
ولو ذهبتَ أنتَ وأخوكَ إلى السوق لتشتريا بعض البضائع، ولديكَ أخٌ ذو سنتين من العمر مثلاً، وافترضوا أنَّ هناك زجاجة من الحليب، فتحمّلوهُ إيّاها وتقولون له: "خذ ذلك". وأمّا أخوه الأكبر منه فسوف تحمّلونهُ شيئاً أكثر؛ ذلك لأنّهُ أكبر، ويمكنهُ حملُ شيءٍ أكثر، فتكليفهُ أكبر. حينئذٍ، هل يمكننا أن نقول: "هذا الأخ الصغير خرِب وفاسد أو معيوب؟!" أو أنهُ شرّ وضرّ؟! حيثُ إنَّهُ لا يتمكّن من حمل البضاعة الأثقل!! هذا الطفلُ الذي يذهب إلى المدرسة في الصفِّ الثالث والرابع الابتدائيِّ ويتعلَّم الجمع والطرح، هل يمكننا أن ننعته بالسوء أو نصفه بالفساد أو... لمجرّد أنّهُ لا يعرف أن يحلّ معادلات من الدرجة الثالثة؟ هل يمكننا أن نتفوّه بذلك؟! أبداً، لا يمكننا أن نتحدث بذلك، فعنوان السوء عبارةٌ عن عنوان يحاكي حدود الموجودات الخارجية.
نحن نقول: هذا الكوب عرضه وطوله سنتيمتر واحد، أي: إنه ليس سنتيمترين. ولكن هذا لا يعني أن عدم السنتيمترين موجود ومتحقق بالخارج!! بحيث يكون هذا العنوان العدميّ ـ الذي وصفناه فيه وأردنا من خلاله الإشارة إلى الناحية العدميّة ـ موجوداً ومتحقّقاً في الخارج!! فمن الخطأ أن نقول: المعدوم موجود في الخارج، لأن المعدوم هو معدوم، والمعدوم لا وجود له. إذن ما معنى أن يكون المعدوم موجوداً؟!
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام
تفسير القرآن الكريم بمعناه اللّغوي
البسملة