3 - الأسلوب العلمي:
نسبة إلى العلم، والعلم هو المعرفة المنظمة. والأسلوب العلمي: هو الشكل أو الصورة اللفظية التي تصاغ فيها المادة العلمية أو المضمون الفكري.
(عناصره):
وأهم مقومات الأسلوب العلمي:
1 - الالتزام باللغة العلمية شكلًا، والفكر المنطقي مضمونًا.
2 - الدقة في صوغ العبارة صياغة تعتمد الألفاظ الحقائق، وتبتعد عن استخدام الألفاظ المجازية والمحسنات الكلامية.
3 - الوضوح في الأداء، والابتعاد عن الغموض.
4 - الاقتراب من ذهن المخاطب بالأسلوب - قارئًا كان أو سامعًا – ما أمكن ذلك.
5 - وضع العبائر في خط سياقها مترابطة لفظًا ومعنى، بحيث تمهد السابقة للاحقة، وتأخذ التالية بعناق المتقدمة.
- نموذج للأسلوب العلمي :
بحث (المصالح المرسلة).
وهو القسم السابع من الباب الأول من كتاب (الأصول العامة للفقه المقارن) لأستاذنا السيد محمد تقي الحكيم.
نموذج للأسلوب العلمي
بحث المصالح المرسلة، تحديدها، تقسيم الأحكام المترتبة عليها: الضروري، الحاجي، التحسيني، الاختلاف في حجيتها، أدلة الحجية من العقل، الاستدلال بسيرة الصحابة، الاستدلال بحديث لا ضرر، غلو الطوفي في المصالح المرسلة، نفاة الاستصلاح وأدلتهم، تلخيص وتعقيب.
تحديدها:
ولتحديد معنى المصالح المرسلة لا بد من تحديد معنى المصلحة أولًا ثم تحديد معنى الإرسال فيها ليتضح معنى هذا التركيب الخاص.
يقول الغزالي: المصلحة هي: "عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة"، وقال: "ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع". "ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة" (1). وعرفها الطوفي بقوله: هي "السبب المؤدي إلى مقصود الشرع عبادة وعادة" (2) وأراد بالعبادة "ما يقصده الشارع لحقه" (3) والعادة "ما يقصده الشارع لنفع العبادة وانتظام معايشهم وأحوالهم" (4).
أما تعريفهم للإرسال فقد وقع موقع الاختلاف لديهم، فالذي يبدو من بعضهم أن معناه عدم الاعتماد على أي نص شرعي، وإنما يترك للعقل حق اكتشافها، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن معناها هو عدم الاعتماد على نص خاص وإنما تدخل ضمن ما ورد في الشريعة من نصوص عامة، واستنادًا إلى هذا التفاوت في معنى الإرسال، تفاوتت تعاريف المصلحة المرسلة.
فابن برهان يعرفها بقوله هي: "ما لا تستند إلى أصل كلي أو جزئي" (5) وربما رجع إلى هذا التعريف ما ورد على لسان بعض الأصوليين المحدثين من "أنها الوصف المناسب الملائم لتشريع الحكم الذي يترتب على ربط الحكم به جلب نفع أو دفع ضرر، ولم يدل شاهد من الشرع على اعتباره أو إلغائه" (6).
بينما يذهب الأستاذ معروف الدواليبي إلى إدخالها ضمن ما شهد له أصل كلي من الشريعة يقول - وهو يتحدث عن الاستصلاح -: "الاستصلاح في حقيقته هو نوع من الحكم بالرأي المبني على المصلحة، وذلك في كل مسألة لم يرد في الشريعة نص عليها، ولم يكن لها في الشريعة أمثال تقاس بها، وإنما بني الحكم فيها على ما في الشريعة من قواعد عامة برهنت على أن كل مسألة خرجت عن المصلحة ليست من الشريعة بشيء، وتلك القواعد هي مثل قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار" (7). وقد رادف بعضهم بينها وبين الاستصلاح (8)، كما رادف آخر بينها وبين الاستدلال (9).
وهو ما لم يتضح له وجه لبعده عما لهذه الألفاظ من مداليل لديهم، فالاستصلاح، كما هو صريح كلامهم، هو بناء الحكم على المصلحة المرسلة لا أنه عينها، كما أن الاستدلال إنما يكون بها لا أنها عين الاستدلال. وبما أن هذه التعاريف التي نقلنا نموذجين منها لا تحكي عن واقع واحد ليلتمس تعريفه الجامع المانع من بينها، وربما اختلف الحكم فيها لديهم باختلاف مفاهيمها فلا جدوى بمحاكمتها.
والأنسب أن تعرض أحكامها وتحاكم على أساس ما ينتظمها من الأدلة نفيًا أو إثباتًا على أسس من تعدد المفاهيم.
تقسيم الأحكام المترتبة على المصلحة:
وقد قسموا أحكامها المترتبة عليها بلحاظ ما لمصالحها من رتب إلى أقسام ثلاثة:
1 - الضروري: "وهو المتضمن لحفظ مقصود من المقاصد الخمس التي لم تختلف فيها الشرائع بل هي مطبقة على حفظها" (10). يقول الغزالي: "وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات فهي أقوى المراتب في المصالح، ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته فإن هذا يفوت على الخلق دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص إذ به حفظ النفوس، وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حد الزنا إذ به حفظ النسل والأنساب، وإيجاب زجر الغصاب والسراق إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي معاش الخلق وهم مضطرون إليها" (11)، ثم يقول: "وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل أن لا تشتمل عليها ملة من الملل، وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر، والقتل، والزنا، والسرقة، وشرب المسكر" (12).
2 - الحاجي: وأرادوا به "ما يقع في محل الحاجة لا الضرورة" (13) كتشريع أحكام البيع، والإجارة، والنكاح لغير المضطر إليها من المكلفين.
3 - التحسيني: وأرادوا به ما يقع ضمن نطاق الأمور الذوقية كالمنع عن أكل الحشرات، واستعمال النجس فيما يجب التطهر فيه، أو ضمن ما تقتضيه آداب السلوك كالحث على مكارم الأخلاق، ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات، وقد عرفه الغزالي بقوله هو: "ما لا يرجع إلى ضرورة ولا حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتيسير للمزايا والمزايد" (14).
ولهذا التقسيم ثمرات أهمها تقديم بعضها على بعض في مجالات التزاحم فهي مرتبة من حيث الأهمية، فالأول منها مقدم على الأخيرين والثاني على الثالث، ولعل قسمًا من الأقوال القادمة يبتنى في حجيته على الأخذ ببعض هذه الأقسام دون بعض.
الاختلاف في حجيتها:
ذهب مالك وأحمد ومن تابعهما "إلى أن الاستصلاح طريق شرعي لاستنباط الحكم فيها لا نص فيه ولا إجما ، وأن المصلحة المطلقة التي لا يوجد من الشرع ما يدل على اعتبارها ولا على إلغائها مصلحة صالحة لئن يبنى عليها الاستنباط" (15).
وغالى فيها الطوفي، وهو من علماء الحنابلة (16)، فاعتبرها الدليل الشرعي الأساس في السياسات الدنيوية والمعاملات، وقدمها على ما يعارضها من النصوص عند تعذر الجمع بينها (17). بينما ذهب الشافعي ومن تابعه: "إلى أنه لا استنباط بالاستصلاح، ومن استصلح فقد شرع كمن استحسن، والاستصلاح كالاستحسان متابعة للهوى" (18).
وللغزالي وهو من الشافعية تفصيل فيها فهو يرى أن "الواقع في الرتبتين الأخيرتين لا يجوز الحكم بمجرده إن لم يعتضد بشهادة أصل إلا أنه يجري مجرى وضع الضرورات، فلا بعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد الشرع بالرأي فهو كالاستحسان، فإن اعتضد بأصل فذلك قياس. أما الواقع في رتبة الضرورات فلا بعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد له أصل معين، ومثاله أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلمًا معصومًا لم يذنب ذنبًا، وهذا لا عهد به في الشرع، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم، ثم يقتلون الأسارى أيضًا، فيجوز أن يقول قائل: هذا الأسير مقتول بكل حال، فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع، لأنّا نعلم أن مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل، وكان هذا التفاتًا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة لا بدليل واحد وأصل معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر، ولكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين، فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين" (19).
وخلاصة ما انتهى إليه في ذلك اعتبار أمور ثلاثة إن توفرت شيء ما كشفت عن وجود الحكم فيه وهي:
1 - كون المصلحة ضرورية.
2 - كونها قطعية.
3 - كونها كلية (20).
هذا كله إذا وقعت في مرتبة الضروري "وإن وقعت في مرتبة الحاجي فقد رأى في المستصفى ردها، وفي شفاء الغليل قبولها" (21). أما الأحناف فالمنسوب إليهم أنهم لا يقولون بالمصالح المرسلة، ولا يعتبرونها دليلًا، وقد نظر الأستاذ خلاف في هذه النسبة، واستظهر من عدة وجوه خلاف ذلك (22).
وقد نسب الأستاذ الخفيف إلى الشيعة وأهل الظاهر "العمل بالمصالح المرسلة لكونهم لا يرون العمل بالقياس" (23)، وسيتضح الحال فيها. ولعل الفصل في هذه الأقوال نفيًا أو إثباتًا يتضح مما عرضوه للحجية من أدلة، وقد آثرنا تحريرها على ترتيب ما ذكروه في التقديم والتأخير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستصفى، ج 1 ص 140.
(2)، (3) رسالة الطوفي المنشورة في مصادر التشريع، ص 93.
(4) المصدر السابق.
(5) إرشاد الفحول، ص 242.
(6) سلم الوصول، ص 309.
(7) المدخل إلى أصول الفقه، ص 284.
(8) أصول الفقه للخضري، ص 302.
(9) إرشاد الفحول، ص 242.
(10) إرشاد الفحول، ص 216.
(11)، (12) المستصفى، ج 1 ص 140.
(13) إرشاد الفحول، ص 216.
(14) المستصفى، ج 1 ص 140.
(15) مصادر التشريع، ص 73.
(16) مصادر التشريع، ص 80.
(17) مصادر التشريع، ص 81 وما بعدها.
(18) مصادر التشريع، ص 74.
(19) ، (20) المستصفى، ج 1 ص 141.
(21) محاضرات في أسباب الاختلاف للخفيف، ص 244.
(22) مصادر التشريع، ص 74.
(23) محاضرات في أسباب الاختلاف، ص 244.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان