الشيخ محمد جواد مغنية
أين يوجد اللّه؟
من الأوهام هذا التساؤل: أين يوجد اللّه؟
والسؤال، وجيه في ظاهره، ولكنه يحتوي على مغالطة منطقية في الواقع، لأن الذي يسأل عن مكان وجوده هو الذي وجد بعد أن كان معدومًا، أي لم يكن، ثم كان، أمّا الأزلي القديم الذي وجد أن صح التعبير، حيث لا زمان ولا مكان، أما الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، أما الذي لا يحتاج وجوده إلى علة فلا يقال أين كان؟
والمفروض أن علة وجود الخالق ذاتية لا تنفك عنه بحال، وما هو من لوازم الذات لا يسأل عنه بزمان أو مكان، فلا يقال متى كانت النار حارة؟ وأين توجد الحرارة فيها؟ ولا متى كان الثلج باردًا؟
وفي أي مكان تستقر فيه البرودة، ولا يقال متى كان الجسم قابلًا للأبعاد الثلاثة: الطول والكتلة والزمن؟ وأين توجد هذه القابلية في الجسم. ومتى لم توجد فيه حتى يقال متى وجدت؟! وأي جانب من الجسم خلا من القابلية للأبعاد حتى يقال في أي جانب تكمن، فكذلك سؤال «أين يوجد اللّه؟ ومتى وجد؟» إذ متى لم يوجد حتى يقال متى وجد؟! وأي مكان لا يوجد فيه أثره حتى يقال أين يوجد؟! إنه دائم لا بزمن، وكائن لا بحلول.
إن الجاهل هو الذي يسأل هذا السؤال، لأنه يقيس الخالق بالمخلوق، ويشبه من لا يرى بما يرى. إن وجود اللّه سبحانه مباين لوجود الكائنات التي توجد في مكان دون مكان. ولو شغل مكانًا خاصًّا لخلت منه بقية الأمكنة، ولكان جسمًا مفتقرًا إلى حيز مع أنه غني عن كل شيء.
بقي أن نتساءل: ماذا أراد المألهون من قولهم: «إن اللّه لا مكان له، وهو موجود في كل مكان» ألا يدل هذا القول على أن اللّه موجود وغير موجود؟! أليس هذا جمعًا بين الشيء ونقيضه، مع أن اجتماع النقيضين محال كارتفاعهما؟! ومن تدبّر الأدلة على أن اللّه لا يمكن أن يوجد في مكان أدرك أن المراد من وجوده في كل مكان وجود قدرته وعظمته، وأن الأشياء كلّها تشهد بوجود خالق الكون ومدبره، وعليه يكون معنى «وجود اللّه في كل مكان» هو ما عناه الشاعر بقوله:
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
وبالتالي فإن الدليل على عدم حلول اللّه وتحيزه في مكان خاص يدل بنفسه أيضًا على عدم تحيزه في كل مكان إذن، معنى لا مكان له أنه غير حالّ في مكان، ومعنى وجوده في كل مكان إن آثار عظمته وجلاله تملأ كل مكان، ومع اختلاف الجهة بالسلب والإيجاب يرتفع التناقض، كما لو قلت: زيد يكتب بالعربية، ولا يكتب باللاتينية.
من رأى اللّه؟
ومما قدمنا يتبين معنا أن سؤال «من رأى اللّه» هو تمامًا كسؤال «من خلق اللّه» أو من رأى ما لا يرى! إن الذي يرى هو الكائن الطبيعي، بل إن نوعًا من هذا الكائن لا يرى بحال حتى بواسطة المجهر كالإلكترون وما إليه، فكيف بمن هو فوق الكائنات الطبيعية! إن اللّه يرى بالبصيرة لا بالبصر، ومعنى هذا أن العقل يعلم بوجوده، لعلمه بأفعاله وصفاته، أما معرفته بالذات فمحال حتى على العقول النيرة.
لذا قال الإمام علي بن أبي طالب: «تكلموا في خلق اللّه، ولا تتكلموا في اللّه. إن التكلم في اللّه لا يزيد صاحبه إلا تحيرًا». لأنه محاولة للمحال.
إن هذا السؤال: «من رأى اللّه» يتوجه إلى القائلين بأن اللّه جسم، ومن هؤلاء فرقة تنتمي إلى الإسلام، اشتهر منها أبو عامر القرشي، نذكر للقراء مثالًا من أقواله للمتعة والتسلية، قال في تفسير قوله سبحانه: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»: إن اللّه لا يمكن أن يقاربه أحد في الألوهية، وإن هذه الآية كالآية 32 من سورة الأحزاب «يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ» أي أن النساء الأخريات في مكان أدنى من مكانتهن، ولكن يشبهنهن تمامًا في الصورة، كذلك اللّه هو مثلي ومثلك في هيئته وصورته.
وذكرني هذا القول بما قرأته في بعض الكتب القديمة أن النملة تظن أن للّه شاربين كشاربيها. وبالتالي، فإن الذي حدا بالإنسان إلى مثل هذا التفكير هي نزعته إلى المادة وارتباطه بها في جميع أدوار حياته. وربما سأل سائل: إننا نعيش في عصر انتصار العلوم، ومع هذا لم يكتشف عالم واحد في معمله وجود الخالق لا قصدًا ولا عفوًا. ولو كان لبان.
الجواب:
إن للمختبرات وأدوات المعامل حدًّا لا تتعداه، وهو أجزاء الطبيعة، فالعلم الطبيعي يبحث عن أجزاء الكون، وارتباط بعضها ببعض، وما تحويه من المواد، أما ما يتعدى ذلك إلى ما وراء الكون فبعيد كل البعد عن التجربة والاختبار في المعامل والمصانع. وهل وجد العلماء في مختبراتهم العقل أو النفس أو غريزة من غرائزها؟!
أجل، لقد اكتشفوا في معاملهم معادلات دقيقة وقوانين محكمة وطاقات تفوق الحصر، ونحن نتساءل: من أوجد هذا التدبير والانسجام؟! وهل تفسر نظرياتهم الحديثة أسرار الكون؟! ومن أين جاءت تلك الطاقات والمواد؟! وكيف تألفت منها المادة على ما بينها من تفاوت؟! ولماذا اختصت الحياة بجزء من الكون دون جزء؟! ومن أعطى هذه الحياة للنبات، والإحساس للحيوان، والعقل للإنسان، مع أن العلماء قد اعترفوا «إن كل شيء في الطبيعة، مهما بدا مختلفًا عن غيره من الأشياء، مكون من الإلكترونات وتدخل هذه الإلكترونات في تكوين المادة من أشجار ومنازل وإنسان، وغيره من الكائنات، كالزجاج والمعادن، وهي بكاملها متشابهة، وتتحرك حول المركز بحركات متماثلة» «1» وعلى هذا يجب أن تكون جميع الموجودات. من نوع واحد، إما جمادًا وإما نباتًا إمّا حيوانًا وإمّا إنسانًا فق . ولكن اللّه سبحانه أراد تنوعها، ولا راد لمشيئته «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). كتاب «الإلكترون وأثره في حياتنا» لجين بندك، ترجمة الدكتور أحمد أبو العباس ص 9، وكتاب «التكامل في الإسلام» للأستاذ أحمد أمين المفتش بوزارة التربية العراقية ص 201.
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)