علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

لماذا يلعب الأطفال اللعبة نفسها، أو يشاهدون المسلسل التلفزيوني نفسه مرارًا وتكرارًا؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

إنه شعور مألوف لدى الكثير من أولياء الأمور. مهما اقترحت من برنامج على طفلك في سنّ ما قبل المدرسة، فإنه لا يرغب إلَّا بمشاهدة الحلقة نفسها من مسلسل الرسوم المتحركةبلووي (1) Bluey مرة أخرى، حتى لو كان قد انتهى من مشاهدته للتو. وحتى عند القراءة قبل النوم، يصرّون على القراءة من الكتاب نفسه ومحاكاة أصوات شخصياته.

 

هذه الاهتمامات العميقة والمتكررة بحلقة تلفزيونية أو لعبة أو موضوع، قد تكون مثبطة ومخيبة لآمال أولياء الأمور الذين لا يرغبون إلَّا في مشاهدة أطفالهم شيئًا مختلفًا. لكن هذا التكرار له في الواقع فوائد عظيمة لتعلّم الأطفال وهنائهم النفسي.

 

أحد أسباب ذلك هو ما يمكن أن نسميه "تأثير المدخلات (معطيات المحيط الحسيّة الداخلة عبر الحواس)". هذا المفهوم ليس جديدًا في العلوم الإدراكية.

 

البحث عن الأنماط

اعتبر الدماغ عضوًا يبذل قصارى جهده لمعرفة ما الطبيعي في حياتنا (2) – ما يُعتبر جزءًا من نمط منتظم وما لا يُعتبر جزءًا من نمط. اكتشف الباحثون ظاهرة تعرف باسم "التعلم الإحصائي [هذه القدرة، التي تسمى التعلم الإحصائي، تُعتبر ظاهرة قوية لوحظت في البشر ابتداءً من مرحلة الطفولة وحتى مرحلة الرشد؛ وقد وضعتْ نظريًّا. لتشكل أساسًا لمجموعة من القدرات بما في ذلك قدرة الطفل على تجزئة الكلمة word segmentation - وهي مهارة تركز على تقسيم الكلمة إلى أصوات حروفها - في مرحلة مبكرة من سنّه واكتساب الخرائط الإدراكية - التمثيل البصري - من معلومات بصرية استقاها عبر العين (3))". ووفقاً لهذه الفكرة فإن الأطفال حساسون جدًّا للأنماط المنتظمة (التكرار) في حياتهم.

 

ومن المثير للاهتمام أن الأطفال ماهرون بشكل خاص في فهم أنواع معينة من المواد، مثل احتمالية وجود أصوات معينة في الكلام الموجه إليهم. لكنهم بحاجة إلى التعرّض للعديد من الأمثلة على ذلك لاكتشاف هذه الأنماط.

 

على سبيل المثال، في جميع اللغات، والإنجليزية ليست استثناءً، تميل أصوات الكلمات إلى اتباع أنماط معينة. في اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، بعض توليفات الكلمات الأكثر شيوعًا المكونة من ثلاثة أحرف هي "the" أو "and" أو "ing". من المنطقي أن تبحث أدمغة الأطفال عن التكرار (الأنماط)، في هذا المثال سيساعدهم ذلك على اكتساب اللغة.

 

لذلك، عندما يعود الأطفال الصغار لمشاهدة البرنامج نفسه أو المسلسل نفسه، فإن ما يفعلونه، سواء أكانوا يدركون ذلك أم لا يدركون، مدفوع برغبتهم في اكتشاف الأنماط فيما يشاهدونه أو يسمعونه أو يقرؤونه وترسيخ ذلك.

 

راحة مألوفة

بالإضافة إلى دعم التكرار لعملية التعلم أو الاكتساب، فإن التكرار له أيضًا فوائد لانفعالات الأطفال، فيما نسمّيه هنا "تأثير الهناء النفسي".

 

الوظيفة الأساس لمرحلة الطفولة هي التعلّم، وهذا يعني البحث بنحو فعّال عن تجارب ومحفزات جديدة. ومع ذلك، فإن الاضطرار إلى معالجة الأشياء الجديدة والتكيف معها قد يكون مرهقًا - حتى بالنسبة لطفل صغير يتمتع بطاقة لا حدود لها.

 

يمكن أن يكون المحيط أيضًا مكانًا غريبًا وأكثر إرهاقًا من الناحية النفسية للأطفال منه للراشدين. كشخص راشد (20 سنة وأكبر]، قد تتعلّم ما يمكنك توقّعه وكيف تتصرّف ضمن أطر وسياقات معيّنة، ولكنّ الأطفال يتعرضون دائمًا لأوضاع وظروف وحالات جديدة يواجهونها لأول مرة.

 

المثيرات المعروفة، مثل تلك الحلقة التليفزيونية التي شاهدوها بالفعل مرات عديدة، أن توفر مصدرًا للراحة والأمان الذي يحميهم من هذا التوتر النفسي والمجهول.

 

قد توفر الاهتمامات العميقة بنشاط معين أيضًا فوائد من الهناء النفسي وذلك بالشعور بالسيطرة والإتقان (السيطرة على كل القوى التي تؤثر في حياته) (4) يتعرض الأطفال باستمرار إلى تحديات واستنفاد فيما يعرفونه ويفهمونه في الحضانة والمدرسة وأماكن أخرى. وهذا أمر بالغ الأهمية للتعلّم، ولكنه يمثل أيضًا تهديدًا لشعورهم بالإتقان.

 

القدرة على الشعور بالراحة في القيام بنشاط معين يرغبون فيه، مثل لعبة مفضلة، تلبي متطلبات الإتقان هذه. بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على الاشتراك في نشاط يستمتعون به يتيح لهم الشعور بالاستقلالية والتحكم في حياتهم، وبطبيعة الحال، ليس كل الأطفال متساوين في احتمال تطوير هذه الأنواع من الاهتمامات المتكررة والمركزة على الشيء نفسه. على سبيل المثال، غالبًا ما يُظهر الأطفال المصابون بالتوحد اهتمامات مركزة على شيء معين بشكل خاص.

 

هناك قيمة كبيرة يمكن اكتسابها من التكرار من حيث التعلم والهناء النفسي. لذا، بالرغم من أنه لا ينبغي للوالدين إجبار طفلهما على مشاهدة برامج أو مسلسلات مرة أخرى، فلا داعي للقلق أيضًا إذا كان هذا شيئًا يسعون إليه ويرغبون فيه بأنفسهم. ومع ذلك، يمكن أن يصبح الأمر مشكلة إذا أثر في قدرة الطفل على التعامل مع جوانب أخرى مهمة من حياته، مثل الخروج من المنزل في الوقت المعين، أو التفاعل مع الآخرين، أو ممارسة التمارين الرياضية.

 

وبطبيعة الحال، لا توجد قاعدة عامة يمكن تطبيقها على جميع الأطفال في جميع السياقات. كأولياء أمور، لا يسعنا إلا أن نكون منتبهين للوضع ونتخذ القرار المناسب. ولكن عندما تقف على مثل حالة التكرار هذه مرة أخرى، فكر في تأثيرات المدخلات والهناء النفسي، وربما امنح نفسك فترة من الراحة ولا داعي للقلق إذا لم يرغب طفلك أن يفعل شيئًا ما - أي شيء - آخر غير تكرار مشاهدة نفس البرامج أو المسلسلات أو لعب لعبة واحدة، مثلًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/بلووي

2- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/tops.12612

3- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC5876146/

4- https://selfdeterminationtheory.org/SDT/documents/2008_JoussemetLandryKoestner_CanPsych.pdf

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/why-children-play-the-same-game-or-watch-the-same-show-over-and-over-again-244330

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد