مرد هذا الشك الحديث في الحقيقة إلى مذهب الشك القديم، الذي اتخذته المدرسة الشكيّة الإغريقية وبشر له (بيرون) زاعمًا عجز الإنسان عن إعطاء أي حكم على الأشياء. وقد نشأت الشكية الحديثة في ظروف مشابهة للظروف التي اكتنفت تلك المدرسة القديمة وساعدت على إنشائها، فالشكية الإغريقية جاءت كحل وسط للصراع الذي قام على أشده بين السفسطة والفلسفة. فقد كانت السفسطة قد ولدت قبل الشكية بقرون. وتمردت على جميع الحقائق وأنكرت القضايا العلمية والحسية كافة، وقام الفلاسفة في وجهها يظهرون تناقضاتها ويكشفون عن انهيارها بين يدي النقد حتى تضاءلت موجة الانكار، فانبثقت عند ذلك فكرة الشك التي أعلنت عن (لا أدرية) مطلقة، وحاولت تبرير ذلك بإظهار تناقضات الحواس وتضارب الأفكار الذي يسلب عنها صفة الوثوق العلمي، فكانت تخفيفًا للسفسطة.
وكذلك الأمر في الشكية الحديثة، فإن أصحابها حاولوا تقديمها كحل للتناقض القائم بين المثالية والواقعية إن صح أن يعتبر الاستسلام إلى الشك حلًّا لهذا التناقض وكانت بسبب ذلك صورة مخففة عن المثالية.
ولم تعتمد الشكية الحديثة على إظهار تناقضات الإحساس والإدراك فحسب، بل على تحليل المعرفة الذي يؤدي إلى الشك في زعمها. فقد كان (دافيد هيوم) الذي بشر بفلسفة الشك على أثر فلسفة (باركلي) يرى أن التأكد من القيم الموضوعية للمعرفة البشرية أمر غير ميسور، لأن أداة المعرفة البشرية هي الذهن أو الفكر، ولا يمكن أن يحضر في الذهن سوى إدراكات، ومن الممتنع أن نتصور أو نكوّن معنى شيء يختلف عن التصورات والانفعالات، فلنوجه انتباهنا إلى الخارج ما استطعنا ولتثب مخيلتنا إلى السماوات أو إلى أقاصي الكون فلن نخطو أبدًا خطوة إلى ما بعد أنفسنا.
ولهذا فلا يمكن أن نجيب على المسألة الأساسية في الفلسفة التي يتصارع عندها المثاليون والواقعيون. فالمثالية تزعم أن الواقع قائم في الشعور والإدراك، والواقعية تؤكد على أنه موجود بصورة موضوعية مستقلة. والشكية ترفض أن تجيب على المسألة لأن الرد عليها مستحيل فلترجأ المسألة إلى الأبد.
والواقع أن (دافيد هيوم) لم يزد على حجج (باركلي) شيئًا، وإن زاد عليه في الشك والعبث بالحقائق، فلم يقف في شكيته عند المادة الخارجية، بل أطاح بالحقيقتين اللتين احتفظ بهما (باركلي) في فلسفته - وهما النفس والله - تمشيًا مع المبدأ الحسي إلى النهاية، فقد اتخذ لذلك نفس أسلوب باركلي وطريقته، فكما أن الجوهر المادي لم يكن في رأي باركلي إلا مجموعة من الظواهر المركبة تركيبًا صناعيًّا في الذهن، كذلك النفس ما هي إلا جملة من الظواهر الباطنية وعلاقاتها، ولا يمكن إثبات (الأنا) - النفس - بالشعور، لأنني حين أنفذ إلى صميم ما أسميه (أنا) أقع على ظاهرة جزئية ، فلو ذابت الإدراكات جميعًا لم يبق شيء أستطيع أن أسميه (أنا).
وفكرة (الله) تقوم على مبدأ العلية، ولكن هذا المبدأ لا يمكن التسليم بصحته بزعم (دافيد)، لأن الحس لا يطلعنا على ضرورة بين الظواهر والحوادث، وإنما ترجع فكرة العلية إلى مجرد عادة، أو إلى لون من ألوان تداعي المعاني. وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية الحسية والمذهب التجريبي إلى ذروتهما التي يؤديان إليها طبيعيًّا، وبدلًا من أن يبرهن عن هذا الطريق على رفض المبدأ الحسي والتجريبي في الفكر، انساق معه حتى انطلق به إلى النهاية المحتومة.
ولا نريد أن نناقش (دافيد هيوم) من جديد ما دامت حججه اجترارا من أدلة باركلي وآرائه، وإنما نتناول نقطة واحدة وهي العادة التي أرجع إليها مبدأ العلية وكثيرًا من العلاقات القائمة بين الأشياء في الفكر، لنتساءل: ما هي العادة؟ فإن كانت عبارة عن ضرورة قائمة بين فكرة العلة والمعلول، فهي تعبير آخر عن مبدأ العلية، وإن كانت شيئًا آخر فهي لا تختلف عن العلية في كونها معنى غيبًا ليس لدينا إحساس أو انفعال يقابله، فكان يجب عليه رفضه كما رفض جميع الحقائق التي لا يمتد إليها الحس...
السيد محمد باقر الصدر
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
السيد جعفر مرتضى
محمود حيدر
الشيخ محمد صنقور
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
أنصار الشك الحديث
تناول الشوكولاتة الداكنة مقترن بانخفاض نسبة احتمال الإصابة بالسكري من النوع الثاني
كتاب للشّيخ فوزي آل سيف بستّ لغات
هل المعصومون يجتهدون في القرآن؟
الأنبياء ودليل (الوحي) والنبوة
(كيد الشيطان) بين الشدة والضعف
النقد على صعيد الرغبات
معنى الضّلال في القرآن الكريم
آسية بنت مزاحم المرأة الشهيدة
زئبقيـة المتكلم الأيديولوجي