علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الصدر
عن الكاتب :
ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.rnبدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، سنة 1365 هـ هاجر إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي.rnمن مؤلفاته: فدك في التاريخ، دروس في علم الأصول، نشأة التشيع والشيعة، فلسفتنا، اقتصادنا وغير ذلك.

أنصار الشك الحديث

مرد هذا الشك الحديث في الحقيقة إلى مذهب الشك القديم، الذي اتخذته المدرسة الشكيّة الإغريقية وبشر له (بيرون) زاعمًا عجز الإنسان عن إعطاء أي حكم على الأشياء. وقد نشأت الشكية الحديثة في ظروف مشابهة للظروف التي اكتنفت تلك المدرسة القديمة وساعدت على إنشائها، فالشكية الإغريقية جاءت كحل وسط للصراع الذي قام على أشده بين السفسطة والفلسفة. فقد كانت السفسطة قد ولدت قبل الشكية بقرون. وتمردت على جميع الحقائق وأنكرت القضايا العلمية والحسية كافة، وقام الفلاسفة في وجهها يظهرون تناقضاتها ويكشفون عن انهيارها بين يدي النقد حتى تضاءلت موجة الانكار، فانبثقت عند ذلك فكرة الشك التي أعلنت عن (لا أدرية) مطلقة، وحاولت تبرير ذلك بإظهار تناقضات الحواس وتضارب الأفكار الذي يسلب عنها صفة الوثوق العلمي، فكانت تخفيفًا للسفسطة.

 

وكذلك الأمر في الشكية الحديثة، فإن أصحابها حاولوا تقديمها كحل للتناقض القائم بين المثالية والواقعية إن صح أن يعتبر الاستسلام إلى الشك حلًّا لهذا التناقض وكانت بسبب ذلك صورة مخففة عن المثالية.

 

ولم تعتمد الشكية الحديثة على إظهار تناقضات الإحساس والإدراك فحسب، بل على تحليل المعرفة الذي يؤدي إلى الشك في زعمها. فقد كان (دافيد هيوم) الذي بشر بفلسفة الشك على أثر فلسفة (باركلي) يرى أن التأكد من القيم الموضوعية للمعرفة البشرية أمر غير ميسور، لأن أداة المعرفة البشرية هي الذهن أو الفكر، ولا يمكن أن يحضر في الذهن سوى إدراكات، ومن الممتنع أن نتصور أو نكوّن معنى شيء يختلف عن التصورات والانفعالات، فلنوجه انتباهنا إلى الخارج ما استطعنا ولتثب مخيلتنا إلى السماوات أو إلى أقاصي الكون فلن نخطو أبدًا خطوة إلى ما بعد أنفسنا.

 

ولهذا فلا يمكن أن نجيب على المسألة الأساسية في الفلسفة التي يتصارع عندها المثاليون والواقعيون. فالمثالية تزعم أن الواقع قائم في الشعور والإدراك، والواقعية تؤكد على أنه موجود بصورة موضوعية مستقلة. والشكية ترفض أن تجيب على المسألة لأن الرد عليها مستحيل فلترجأ المسألة إلى الأبد.

 

والواقع أن (دافيد هيوم) لم يزد على حجج (باركلي) شيئًا، وإن زاد عليه في الشك والعبث بالحقائق، فلم يقف في شكيته عند المادة الخارجية، بل أطاح بالحقيقتين اللتين احتفظ بهما (باركلي) في فلسفته - وهما النفس والله - تمشيًا مع المبدأ الحسي إلى النهاية، فقد اتخذ لذلك نفس أسلوب باركلي وطريقته، فكما أن الجوهر المادي لم يكن في رأي باركلي إلا مجموعة من الظواهر المركبة تركيبًا صناعيًّا في الذهن، كذلك النفس ما هي إلا جملة من الظواهر الباطنية وعلاقاتها، ولا يمكن إثبات (الأنا) - النفس - بالشعور، لأنني حين أنفذ إلى صميم ما أسميه (أنا) أقع على ظاهرة جزئية ، فلو ذابت الإدراكات جميعًا لم يبق شيء أستطيع أن أسميه (أنا).

 

وفكرة (الله) تقوم على مبدأ العلية، ولكن هذا المبدأ لا يمكن التسليم بصحته بزعم (دافيد)، لأن الحس لا يطلعنا على ضرورة بين الظواهر والحوادث، وإنما ترجع فكرة العلية إلى مجرد عادة، أو إلى لون من ألوان تداعي المعاني. وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية الحسية والمذهب التجريبي إلى ذروتهما التي يؤديان إليها طبيعيًّا، وبدلًا من أن يبرهن عن هذا الطريق على رفض المبدأ الحسي والتجريبي في الفكر، انساق معه حتى انطلق به إلى النهاية المحتومة.

 

ولا نريد أن نناقش (دافيد هيوم) من جديد ما دامت حججه اجترارا من أدلة باركلي وآرائه، وإنما نتناول نقطة واحدة وهي العادة التي أرجع إليها مبدأ العلية وكثيرًا من العلاقات القائمة بين الأشياء في الفكر، لنتساءل: ما هي العادة؟ فإن كانت عبارة عن ضرورة قائمة بين فكرة العلة والمعلول، فهي تعبير آخر عن مبدأ العلية، وإن كانت شيئًا آخر فهي لا تختلف عن العلية في كونها معنى غيبًا ليس لدينا إحساس أو انفعال يقابله، فكان يجب عليه رفضه كما رفض جميع الحقائق التي لا يمتد إليها الحس...

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد