الإمام السيد أبو القاسم الخوئي ..
والقرآن بسلوكه طريق الاعتدال، وأمره بالعدل والاستقامة قد جمع نظام الدنيا إلى نظام الآخرة، وتكفل بما يصلح الأولى، وبما يضمن السعادة في الأخرى، وليس تشريعه دنيوياً محضاً لا نظر فيه إلى الآخرة، كما تجده في التوراة الرائجة، فإنها مع كبر حجمها لا تجد فيها مورداً تعرضت فيه لوجود القيامة، ولم تخبر عن عالم آخر للجزاء على الأعمال الحسنة والقبيحة. نعم صرحت التوراة بأن أثر الطاعة هو الغنى في الدنيا، والتسلط على الناس باستعبادهم، وأن أثر المعصية والسقوط عن عين الرب هو الموت وسلب الأموال والسلطة. كما أن تشريع القرآن ليس أخرويا محضا لا تعرض له بتنظيم أمور الدنيا كما في شريعة الإنجيل. فشريعة القرآن شريعة كاملة تنظر إلى صلاح الدنيا مرة وإلى صلاح الآخرة مرة أخرى. فيقول في تعليماته:
{ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}.
{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}.
{ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}.
ويحث الناس - في كثير من آياته - على تحصيل العلم، وملازمة التقوى بينما يبيح لهم لذائذ الحياة وجميع الطيبات:
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }
ويدعو كثيرا إلى عبادة الله، وإلى التفكر في آياته التشريعية والتكوينية وإلى التأمل والتدبر في الآفاق وفي الأنفس. ومع ذلك لم يقتصر على هذه الناحية التي توصل الإنسان بربه، بل تعرض للناحية الأخرى التي تجمعه مع أبناء نوعه.
فأحل له البيع:
{وأحل الله البيع وحرم الربا}
وأمره بالوفاء بالعقود:
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
وأمر بالتزويج الذي يكون به بقاء النوع الإنساني:
{وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}.
{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} .
وأمر الإنسان بالإحسان إلى زوجته، والقيام بشؤونها، وإلى الوالدين والأقربين، وإلى عامة المسلمين، بل وإلى البشر كافة فقال:
{وعاشروهن بالمعروف}
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.
{واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} {وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين }
{إن رحمة الله قريب من المحسنين }.
{وأحسنوا إن الله يحب المحسنين }
هذه أمثلة من تعاليم القرآن التي نهج فيها منهج الاعتدال، وقد أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع أفراد الأمة، ولم يخصه بطائفة خاصة، ولا بأفراد مخصوصين، وهو بهذا التشريع قد فتح لتعاليمه أبواب الانتشار ونفخ فيها روح الحياة والاستمرار. فقد جعل كل واحد من أفراد العائلة والبيئة مرشدا لهم، ورقيباً عليهم، بل جعل كل مسلم دليلاً وعيناً على سائر المسلمين يهديهم إلى الرشاد، ويزجرهم عن البغي والفساد، فالمسلمون بأجمعهم مكلفون بتبليغ الأحكام، وبتنفيذها.
ومن أعظم تعاليم القرآن التي تجمع كلمة المسلمين، وتوحد بين صفوفهم: المؤاخاة بين طبقات المسلمين، ونبذ الميزات إلا من حيث العلم والتقوى حيث يقول:
{إن أكرمكم عند الله أتقاكم }. {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
قال النبي (صلى الله عليه وآله):
إن الله عز وجل أعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها، وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم، وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم. وإن آدم خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله عز وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم.
وقال صلى الله عليه وآله: " فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناكم"
فالإسلام قدّم سلمان الفارسي لكمال إيمانه حتى جعله من أهل البيت، وآخّر أبا لهب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكفره..
هذه شريعة القرآن في إرشاداته وتعاليمه، تتفقد مصالح الفرد، ومصالح المجتمع، وتضع القوانين التي تكفل جميع ذلك، ما يعود منها إلى الدنيا وما يرجع إلى الآخرة. فهل يشك عاقل بعد هذا في نبوة من جاء بهذا الشرع العظيم، ولا سيما إذا لاحظ أن نبي الإسلام قد نشأ بين أمة وحشية، لا معرفة لها بشيء من هذه التعليمات؟!
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان