السيد محمد حسين الطبطبائي
اختلف مفسّرو القرآن الكريم في مسالكهم بعدما عمل فيهم الانشعابُ في المذاهب ما عمل، ولم يبقَ بينهم جامعٌ في الرأي والنظر إلّا لفظُ «لا إله إلّا الله، محمّدٌ رسول الله»، فتفرّقوا في طريق البحث عن معاني الآيات، وكلٌّ يتحفّظ على متن ما اتّخذه من المذهب والطريقة.
فأمّا المحدِّثون، فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السَّلَف من الصحابة والتابعين، فساروا وجدّوا في السير حيثما يسير بهم المأثور، ووقفوا في ما لم يؤثَر فيه شيء، ولم يظهر المعنى ظهوراً لا يحتاج إلى البحث، أخذاً بقوله تعالى: ﴿..وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا..﴾ (آل عمران:7).
وقد أخطأوا في ذلك، فإنّ الله سبحانه لم يُبطِل حجّة العقل في كتابه، وكيف يعقل ذلك وحجّيته إنّما تثبت به! ولم يجعل حجّيةً في أقوال الصحابة والتابعين ونظرائهم على اختلافها الفاحش، ولم يدعُ إلى السفسطة بالتسليم بالمتناقضات والمتنافيات من الأقوال، ولم يندب إلّا إلى التدبّر في آياته، فرفع به أيّ اختلاف يُتراءى منها، وجعله هدًى ونوراً وتبياناً لكلّ شيء، فما بال النور يستنير بنور غيره، وما شأنُ الهدى يهتدي بهداية سواه، وكيف يتبيّن ما هو تبيانُ كلّ شيء بشيءٍ دون نفسه؟!
المتكلّمون والفلاسفة والصوفية
وأمّا المتكلّمون، فقد دعتهم الأقوال المذهبية على اختلافها أن يسيروا في التفسير على ما يوافقُ مذاهبهم بأخذ ما وافق، وتأويل ما خالف، على حسب ما يجوّزه قول المذهب.
واختيار المذاهب الخاصة، واتخاذ المسالك والآراء المخصوصة، وإن كان معلولاً لاختلاف الأنظار العلمية، أو لشيءٍ آخر كالتقاليد والعصبيات القومية، وليس ههنا محل الاشتغال بذلك، إلّا أنّ هذا الطريق من البحث أحرى به أن يسمّى تطبيقاً لا تفسيراً، ففرقٌ بين أن يقول الباحث عن معنى آية من الآيات: ماذا يقول القرآن؟ أو يقول: ماذا يجب أن نحمل عليه الآية؟
فإنّ القول الأول يُوجب أن ينسى كلَّ أمر نظريّ عند البحث، وأن يتّكأ على ما ليس بنظريّ.
والثاني يُوجب وضع النظريات في المسألة وتسليمها وبناء البحث عليها، ومن المعلوم أنّ هذا النحو من البحث في الكلام ليس بحثاً عن معناه في نفسه.
وأمّا الفلاسفة، فقد عرض لهم ما عرض للمتكلّمين من المفسّرين، من الوقوع في ورطة التطبيق... حتّى أنهم ارتكبوا التأويل في الآيات التي لا تلائم الفرضيات والأصول الموضوعة التي نجدها في العلم الطبيعي...
وأما المتصوّفة، فإنهم لاشتغالهم بالسير في باطن الخِلقة، واعتنائهم بشأن الآيات الأنفسية دون عالم الظاهر وآياته الآفاقية، اقتصروا في بحثهم على التأويل، ورفضوا التنزيل، فاستلزم ذلك اجتراء الناس على التأويل، وتلفيق جمل شعرية والاستدلال من كلّ شيء على كلّ شيء، حتى آل الأمر إلى تفسير الآيات بحساب الجمّل، وردّ الكلمات إلى الزُّبُر والبينات، والحروف النورانية والظلمانية إلى غير ذلك...
الماديون من مُنتحلي الإسلام
وقد نشأ في هذه الأعصار مسلكٌ جديد في التفسير، وذلك أنّ قوماً من منتحلي الإسلام، في إثر توغّلهم في العلوم الطبيعية وما يشابهها، المبتنية على الحسّ والتجربة، والعلوم الاجتماعية المبتنية على تجربة الإحصاء، مالوا إلى مذهب الحسّيّين من فلاسفة أوروبا السابقين، فذكروا: أنّ المعارف الدينية لا يمكن أن تخالف الطريق الذي تصدّقه العلوم، وهو أنْ: «لا أصالةَ في الوجود إلا للمادة وخواصّها المحسوسة»، فما كان الدّين يُخبر عن وجوده ممّا تكذّبه العلوم ظاهره، كالعرش والكرسيّ، واللوح، والقلم، يجب أن يؤوَّل تأويلاً، وما يخبر عن وجوده ممّا لا تتعرّض له العلوم؛ كحقائق المعاد، يجب أن يوجّه بالقوانين المادية، وما يتّكئ عليه التشريع من الوحي، والمَلَك، والشيطان، والنبوّة، والرسالة، والإمامة، وغير ذلك، إنّما هي أمور روحية، والروح مادية ونوع من الخواصّ المادية، والتشريع نبوغٌ خاصّ اجتماعيّ يبني قوانينه على الأفكار الصالحة، لغاية إيجاد الاجتماع الصالح الراقي.
وذكروا: أنّ الروايات، لوجود الخليط فيها لا تصلح للاعتماد عليها، إلّا ما وافق الكتاب، وأمّا الكتاب فلا يجوز أن يُبنى في تفسيره على الآراء والمذاهب السابقة المبتنية على الاستدلال من طريق العقل الذي أبطله العلم بالبناء على الحسّ والتجربة، بل الواجب أن يستقلّ بما يعطيه القرآن من التفسير، إلّا ما بيّنه العلم!....
ولا كلام لنا ههنا في أصولهم العلمية والفلسفية التي اتّخذوها أصولاً وبنوا عليها ما بنوا، وإنما الكلام في أنّ ما أوردوه على مسالك السَّلف من المفسّرين (أنّ ذلك تطبيق وليس بتفسير) واردٌ بعينه على طريقتهم في التفسير، وإنْ صرحوا أنّه حقّ التفسير الذي يفسّر به القرآن بالقرآن. ولو كانوا لم يحملوا على القرآن في تحصيل معاني آياته شيئاً، فما بالهم يأخذون الأنظار العلمية مسلَّمةً لا يجوز التعدّي عنها؟ فهم لم يزيدوا على ما أفسده السلف إصلاحاً.
وأنت بالتأمّل في جميع هذه المسالك المنقولة في التفسير تجد: أنّ الجميع مشتركةٌ في نَقصٍ - وبئس النقص - وهو تحميل ما أنتجته الأبحاث العلمية أو الفلسفية من خارج، على مداليل الآيات، فتبدّل به التفسير تطبيقاً وسُمِّي به التطبيق تفسيراً، وصارت بذلك حقائق من القرآن مجازات...
والحقّ، أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، وأنّ البيان الإلهي والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه، أي أنّه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق، فكيف يتصوّر أن يكون الكتاب الذي عرّفه الله تعالى بأنّه هدى، وأنّه نور، وأنّه تبيانٌ لكلّ شيء، مفتقراً إلى هادٍ غيره، ومستنيراً بنور غيره، ومَبيناً بأمرٍ غيره؟
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع