السيّد محمد حسين الطباطبائي
﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾
تذكر الآيات من محاسن خصال المؤمنين ما يقابل ما ورد في الآيات المتقدّمة من صفات الكفّار السيّئة. ويجمعها أنّهم يدعون ربّهم، ويصدقون رسوله والكتاب النازل عليه قبال تكذيب الكفّار لذلك وإعراضهم عنه إلى اتّباع الهوى.
* قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ الرحمن:63.
لمّا ذكر في الآية السابقة ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ استكبارَهم على الله سبحانه واستهانتهم بالاسم الكريم «الرحمن»، قابله في هذه الآية بذكر ما يقابل ذلك للمؤمنين وسمّاهم «عباداً»، وأضافهم إلى نفسه متسمّياً باسم «الرحمن» الذي كان يحيد عنه الكفّار وينفرون. وقد وصفتْهم الآية بوصفين من صفاتهم:
أحدهما: ما اشتمل عليه قوله: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾، والهَون على ما ذكره الراغب التذلّل، والأشبه حينئذ أن يكون المشي على الأرض كناية عن عيشتهم بمخالطة الناس ومعاشرتهم، فهم في أنفسهم متذلّلون لربّهم ومتواضعون للناس لما أنّهم عباد الله غير مستكبرين على الله ولا مستعلين على غيرهم بغير حقّ، وأمّا التذلّل لأعداء الله ابتغاء ما عندهم من العزّة الوهميّة فحاشاهم. وإنّ كان الهَون بمعنى الرفق واللين، فالمراد أنّهم يمشون من غير تكبّر وتبختر.
وثانيهما: ما اشتمل عليه قوله: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، أي إذا خاطبهم الجاهلون خطاباً ناشئاً عن جهلهم ممّا يكرهون أن يخاطَبوا به أو يثقل عليهم أجابوهم بما هو سالمٌ من القول، وقالوا لهم قولاً سلاماً خالياً عن اللغو والإثم، ويرجع [ذلك] إلى عدم مقابلتهم الجهل بالجهل. وهذه - كما قيل - صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس، وأمّا صفة ليلهم فهي التي تصفها الآية التالية.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ الرحمن:64.
البيتوتة إدراك الليل سواء نام أم لا، والمراد عبادتُهم له تعالى بالخُرور على الأرض والقيام على السُّوق، ومن مصاديقه الصلاة. والمعنى: وهم الذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربّهم وقائمين يتراوحون سجوداً وقياماً، ويمكن أن يراد به التهجّد بنوافل الليل.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ الرحمن:65-66.
الغَرام ما ينوب الإنسان من شدّة أو مصيبة فيلزمه لا يفارقه، والباقي ظاهر.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ الرحمن:67.
الإنفاق بذل المال وصرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره، والإسراف الخروج عن الحدّ ولا يكون إلّا في جانب الزيادة، وهو في الإنفاق التعدّي عمّا ينبغي الوقوف عليه في بذل المال. و«القَتْر» بالفتح فالسكون التقليل في الإنفاق، وهو بإزاء الإسراف، والقتر والإقتار والتقتير بمعنى. و«القَوام» بالفتح، الواسط العدل، وبالكسر [القِوام] ما يقوم به الشيء، وقوله: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ متعلّق بالقَوام، والمعنى: وكان إنفاقهم وسطاً عدلاً بين ما ذكر من الإسراف والقتر.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ..﴾ الرحمن:68.
إشارة إلى ما كان يفعله جهلة مشركي العرب، فإنّهم كانوا يرون أنّ دعاء آلهتهم إنّما ينفعهم في البَرّ، وأمّا البحر فإنّه لله لا يشاركه فيه أحد، فالمراد دعاؤه تعالى في مورد كما عند شدائد البحر من طوفان ونحوه، ودعاء غيره معه في مورد، وهو البَرّ.
* وقوله: ﴿..وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ..﴾ الرحمن:68.
أي لا يقتلون النفس الإنسانية التي حرّم اللهُ قتلَها في حال من الأحوال إلّا حال تلبّس القتل بالحقّ، كقتلها قصاصاً وحَدّاً. وقوله تعالى: ﴿..وَلَا يَزْنُونَ..﴾ الآية. وقد كان شائعاً بين العرب في الجاهلية، وكان الإسلام معروفاً بتحريم الزنا والخمر من أوّل ما ظهرت دعوته. وقوله: ﴿..وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ الآية، الأثام الإثم، وهو وبال الخطيئة، وهو الجزاء بالعذاب الذي سيلقاه يوم القيامة المذكور في الآية التالية.
* قوله تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ الرحمن:69.
أي يخلد في العذاب وقد وقعت عليه الإهانة.
* قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الرحمن:70.
استثناء من لقى الآثام والخلود فيه، وقد أُخذ في المستثنى التوبة والإيمان وإتيان العمل الصالح، أمّا التوبة وهي الرجوع عن المعصية -وأقلّ مراتبها الندم- فلو لم يتحقّق لم ينتزع العبد عن المعصية ولم يزل مقيماً عليها، وأمّا إتيان العمل الصالح فهو ممّا تستقر به التوبة وبه تكون نصوحاً.
وأمّا أخذ الإيمان فيدلّ على أنّ الاستثناء إنّما هو من الشرك. وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ تفريع على التوبة والإيمان والعمل الصالح يصف ما يترتّب على ذلك من جميل الأثر وهو أنّ الله يبدّل سيّئاتهم حسنات. والذي يفيد ظاهر قوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ وقد ذيّله بقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أنّ كلّ سيّئة منهم نفسها تتبدّل حسنة، وليست السيّئة هي متن الفعل الصادر من فاعله، بل صفة الفعل من حيث موافقته لأمر الله ومخالفته له. وهذه السيّئات لازمة للإنسان حتّى يؤخذ بها يوم تُبلى السرائر. ولولا شوب من الشقوة والمساءة فالذات لم يصدر عنها عمل سيّء، إذ الذات السعيدة الطاهرة من كلّ وجه لا يصدر عنها سيئة قذرة، فالأعمال السيّئة إنّما تلحق ذاتاً شقيّة خبيثة بذاتها أو ذاتاً فيها شوب من شقاء خباثة.
ولازم ذلك إذا تطهّرت بالتوبة وطابت بالإيمان والعمل الصالح فتبدّلت ذاتاً سعيدة ليس فيها شوب من قذارة الشقاء، أن تتبدّل آثارها اللازمة التي كانت سيّئات قبل ذلك فتناسب الآثار للذات بمغفرة من الله ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً. وإلى مثل هذا يمكن أن تكون الإشارة بقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
* قوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ الرحمن:71.
المتاب مصدر ميمي للتوبة، وسياق الآية يعطي أنّها مسوقة لرفع استغراب تبدّل السيّئات حسنات بتعظيم أمر التوبة وأنّها رجوع خاصّ إلى الله سبحانه فلا بدع في أن يبدّل السيئات حسنات وهو الله يفعل ما يشاء. وفي الآية مع ذلك شمول للتوبة من جميع المعاصي سواء قارنت الشرك أم فارقته.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ الرحمن:72. أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ، فيشمل الكذب وكلّ لهو باطل كالغناء. فقوله: ﴿والذين لا يشهدون الزور﴾ إن كان المراد بالزور الكذب، فالتقدير: لا يشهدون شهادة الزور. وإن كان المراد اللهو الباطل كالغناء ونحوه، كان المعنى: لا يحضرون مجالس الباطل. وذيل الآية يناسب ثاني المعنيين. وقوله: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾، اللغو ما لا يُعتدّ به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائي، ويعمّ - كما قيل - جميع المعاصي، والمراد بالمرور باللغو المرور بأهل اللغو وهم مشتغلون به. والمعنى: وإذا مرّوا بأهل اللغو وهم يلغون مرّوا معرضين عنهم، منزِّهين أنفسهم عن الدخول فيهم والاختلاط بهم ومجالستهم.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع