الشيخ محمد جواد مغنية
قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ﴾[الأنعام: 122].
قد يقول القائل: إنَّ الآية شبَّهت الإيمان بالحياة، والكفر بالموت، مع أنَّ الكافرين والملحدين في هذا العصر أكثر ثراءً ورفاهية من المؤمنين والعابدين.
الجواب: ليس المراد بالحياة في هذه الآية أن يعيش الإنسان في النعيم والرفاهية، فيأكل طيّباً، ويلبس ثميناً، ويشرب سائغاً... إن الرفاهية لا تناط بالكفر ولا بالإيمان، وإلا كان المؤمنون سواء في الشرق والغرب من حيث الحضارة والرفاهية، وكذلك الملحدون والكافرون. إن للرفاهية أسباباً وملابسات لا تمتّ إلى الإيمان والكفر بسبب.. وإنما المراد بالحياة في الآية، الإيمان والشعور الديني الذي يدفع بصاحبه إلى القيام بالواجب كإنسان مسؤول عن سلوكه، يحاسب عليه، ويكافأ على إحسانه بالثّواب، وإساءته بالعقاب.
ولو كان الإنسان غير مسؤول عن شيء، لكانت الشرائع والقوانين ألفاظاً بلا معان.. ومتى سلّمنا بأنّ الإنسان مسؤول، ولا يترك سدى، يلزمنا حتماً أن نسلم بأنّه مسؤول أمام من لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.. ولو كان هذا السائل مسؤولاً، لوجب وجود سائل له، وهكذا إلى ما لا نهاية.
ومن كفر بوجود السائل الأعلى الّذي يسأل ولا يسأل، فقد كفر بالمسؤوليّة ونفاها من الأساس، لأنه لا مسؤوليّة من غير سائل، ومن كفر بالمسؤوليّة، فقد كفر بالحياة الاجتماعية.
وتقول: أجل، إن الإنسان مسؤول، ولكن ليس من الضروريّ أن يكون السائل هو الله، فللناس أن يختاروا هيئة منهم يكون الإنسان مسؤولاً أمامها.
ونسأل بدورنا: إذا أخطأت هذه الهيئة، فمن يسألها ويحاسبها؟ وإن قيل: الوجدان، قلنا: أوّلاً الوجدان أمر معنويّ لا عينيّ. وثانياً: أن الوجدان مشاع يدّعيه كلّ واحد، فلماذا يترك هذا لوجدانه دون ذاك؟ إذاً، لا سائل غير مسؤول إلا الله وحده، فمن آمن بالله وألزم نفسه بشريعته وأحكامه، فقد سار على بصيرة من أمره في عقيدته وسلوكه، وإلا كان مثله كمن يمشي في الظلمات ليس بخارج منها.
﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام: 122]. أي مثل ما زيّن للمؤمنين أعمالهم، أيضاً زيّن للمشركين أعمالهم، والفرق أنّ تزيين أولئك انعكاس عن الواقع، وتزيين هؤلاء وهم وخيال.
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَ﴾[الأنعام: 123]. المراد بالقرية كلّ مجتمع من الناس قلّ أو كثر، والمعنى أنّه كما وجد في مجتمعك يا محمّد رؤوس للإجرام تمكر وتنصب العداء لدين الله، كذلك وجد في المجتمعات السابقة، ويوجد في اللاحقة أيضاً، رؤساء يمكرون بأمّتهم، ويقفون موقف العداء للحقّ وأهله.
وتسأل: ظاهر الآية يدلّ على أن الله سبحانه هو الذي جعل أكابر المجرمين يجرمون ويمكرون بأهل الحقّ، مع العلم بأنّه تعالى ينهى عن المكر والإجرام، ويعاقب عليهما، فما هو التّأويل؟.
الجواب: إنّ القصد من هذه النّسبة إليه جلّ ثناؤه، هو الإشارة إلى أنّ مشيئة الله قضت بأن تقوم السنن الاجتماعيّة على أساس التناقض بين المحقّين والمبطلين، بين أرباب السلطان المعتدين، وبين الناس المعتدى عليهم، ولا مفرّ من هذا التناقض والصراع إلا بالقضاء على المجرمين، ولا بدّ أن يتم ذلك، وتعلو كلمة الحقّ على أيدي دعاة العدل والصلاح، مهما تضخّم الباطل واستطال. وقد سجّل سبحانه ذلك في كتابه، حيث قال عزّ من قائل: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلً}[فاطر: 43]. إنّ هذا التكرار تأكيد قاطع بأنّ العاقبة للمتقين على المجرمين، مهما طال الزمن، وبهذا نجد تفسير قوله تعالى: ﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾[الأنعام: 123].
﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ﴾ [الأنعام: 124].
اختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، على قولين: الأوّل أن أكابر المجرمين من العرب اقترحوا على محمّد (صلى الله عليه وآله) أن يأتيهم من المعجزات مثل ما أوتي موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى. القول الثاني: أنهم قالوا له: لن نؤمن حتى ينزل علينا الوحي كما نزل على الأنبياء. وقال الرازي: هذا القول مشهور بين المفسّرين. ونحن نرجّحه على الأوّل، لأن سياق الآية يدلّ عليه، حيث ردّ سبحانه على أكابر المجرمين بقوله: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: 124].
بالإضافة إلى أنّ طلبهم أن ينزل الله الوحي عليهم، يتلاءم مع حسدهم لرسول الله.
قال تعالى في الآية 54 من سورة النساء: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54]. وفي مجمع البيان وغيره، أنّ الوليد بن المغيرة قال للنبيّ (صلى الله عليه وآله): "لو كانت النبوّة حقّاً، لكنت أولى بها منك، لأني أكبر منك سنّاً، وأكثر منك مالاً".
ومعنى قوله: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ واضح، وهو أنه تعالى يختار لرسالته من يصلح لها من خلقه، ومحمد أكرم خلق الله وأشرفهم.
﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ﴾، لأنهم استعلوا وتعاظموا، فاستحقّوا الجزاء بالاحتقار والإذلال. وفي بعض الروايات: أن المتكبرين يحشرون في صورة الذرّ، يطأهم الناس بأقدامهم جزاءً على تعاظمهم في الدنيا ﴿وعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾.
فالصغار جزاء التكبر، والعذاب جزاء المكر والخداع. وبكلمة، إن الله سبحانه يعامل أرباب النوايا الخبيثة، والأهداف الفاسدة، بعكس ما يقصدون ويهدفون.
________________________________________
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع