قرآنيات

أهل البيت وآية التّطهير

 

الشيخ محمد جواد مغنية
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
المراد بالرّجس هنا الذّنوب. وقد استدلّ الشيعة بهذه الآية على عصمة أهل البيت، وقالوا: "إنما" أداة حصر تدلّ على ثبوت الطهارة من الذّنوب لأهل البيت دون غيرهم، ولا معنى للعصمة إلا الطّهارة من الذنوب .
وفي "صحيح مسلم" القسم الثاني من الجزء الثاني، ص 116 طبعة 1348 هـ، ما نصه بالحرف: «قالت عائشة: خرج النبيّ (ص) غداة وعليه مرط مرحل - برد من برود اليمن - من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ، فأدخله، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: {إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}». ومثله سنداً ودلالةً ما رواه الترمذي في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، وغيرهما من أئمّة الحديث من أهل السنَّة .
وفي تفسير الطبري عن أبي سعيد الخدري الصحابي الجليل، وأمّ سلمة زوجة الرّسول (ص): «قالت: لما نزلت آية {إنما يريد الله ليذهبَ عنكم الرِّجس أهل البيت...}، دعا رسول الله (ص) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، ووضع عليهم كساءً وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أمّ سلمة: ألست منهم؟ قال: أنت إلى خير». ومثله في تفسير "البحر المحيط" للأندلسي، والتسهيل للحافظ، والدرّ المنثور للسيوطي، وغيرها من التّفاسير .


وفي ج 1، ص 88، نقلنا ما قاله محيي الدين بن عربي حول هذه الآية في الجزء الأوّل والثاني من الفتوحات المكية، وننقل الآن ما قاله عن أهل البيت في الجزء الرابع ص 139 طبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر، قال: «إنّ النبي (ص) وأهل بيته على السواء في مودّتنا فيهم، فمن كره أهل بيته، فقد كره النبيّ (ص)، فإنّه واحد من أهل بيته، فمن خانهم، فقد خان رسول الله (ص)».
{واذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ والْحِكْمَةِ إِنَّ الله كانَ لَطِيفاً خَبِيراً}[الأحزاب: 34].
المراد بالحكمة هنا السنَّة النبويَّة، لاقترانها بكتاب الله وآياته، والمعنى: اُشكرن يا نساء النبيّ إنعام الله عليكنّ، حيث جعلكن في بيوت تسمعن فيها تلاوة كتاب الله وسنّة نبيّه، وهي نور للعقول، وربيع للقلوب .
وتسأل: إنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ المراد بآية التطهير نساء النبيّ (ص)، فكيف أخرجهنّ عنها من نقلت عنهم من المفسّرين والمحدّثين؟
الجواب أوّلاً: إنَّ صاحب تفسير المنار، نقل عن أستاذه الشيخ محمد عبده في ج 2 ص 451 طبعة ثانية: «إنَّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأنٍ إلى شأنٍ آخر، ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرَّة بعد المرَّة». وقال الإمام جعفر الصَّادق (ع): "إنَّ الآية من القرآن يكون أوَّلها في شيء، وآخرها في شيء آخر". وعلى هذا، فلا يصحّ الاعتماد على دلالة السّياق لآي الذّكر الحكيم كقاعدة كليّة .
ثانياً: لو سلَّمنا - جدلاً - بصحّة الاعتماد على دلالة السّياق للآيات، فإنَّ قوله تعالى: «ليذهب عنكم.. ويطهّركم» بضمير المذكّر دون ضمير المؤنّث، هو نصّ صريح على إخراجهنّ من الآية . وليس من شكّ أنّ دلالة النّصّ مقدّمة على دلالة السّياق، لأنها أقوى وأظهر.
ثالثاً: إنّ المفسّرين والمحدّثين الذين ذكرناهم، قد اعتمدوا في إخراجهنّ على الحديث الصّحيح عن الرّسول الأعظم (ص)، وقد اتّفقت كلمة المسلمين على أنّ السنّة النبويّة تفسير وبيان لكتاب الله.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد