قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

الأسماء الحسنى في القرآن الكريم

السيد محمد حسين الطباطبائي

يقول الله تبارك وتعالى (الأعراف/180): ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

الاسم بحسب اللغة ما يُدلّ به على الشيء سواء:

- أفاد معنى وصفياً؛ كاللفظ الذي يُشار به إلى الشيء لدلالته على معنًى موجودٍ فيه.

- أو لم يفد إلّا الإشارة إلى الذات؛ كزيد وعمرو.

وتوصيف الأسماء بـ‍«الحسنى» - وهي مؤنث أحسن - يدلّ على أنّ المراد بها الأسماء التي فيها معنى وصفيّ، دون تلك التي لا دلالة لها إلّا على الذات المتعالية فقط، لو كان بين أسمائه تعالى ما هو كذلك.

وليس المراد أيضاً كل معنى وصفيّ، بل المعنى الوصفيّ الذي فيه شيء من الحُسن، ولا كلّ معنى وصفيّ حَسَن، بل ما كان أحسن بالنسبة إلى غيره إذا اعتُبرا مع الذات المتعالية: فالشجاع والعفيف من الأسماء الحسنة، لكنهما لا يليقان بساحة قُدسه لإنبائهما عن خصوصية جسمانية لا يمكن سلبها عنهما. ولو أمكن، لم يكن مانعٌ عن إطلاقهما عليه: كالجواد والعدل والرحيم.

فكون اسمٍ ما من أسمائه تعالى «أحسن الأسماء» أن يدلّ على معنى كماليّ غير مخالط لنقص أو عدَم، مخالطةً لا يمكن معها تحرير المعنى من ذلك النقص والعدم وتصفيته.

فالأسماء بأجمعها محصول لغاتنا، لم نضعها إلّا لمصاديقها فينا، وهي لا تخلو عن شوب الحاجة والنقص، غير أنّ:

- من الأسماء ما لا يُمكن سلب جهات الحاجة والنقص عنها.

- ومنها ما يمكن فيه ذلك؛ كالعلم والحياة والقدرة.

فالعلم فينا هو الإحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل مادية.

والقدرة فينا هي المنشِئة للفعل بكيفية مادية موجودة لعضلاتنا.

والحياة كوننا بحيث نعلم ونقدر بما لنا من وسائل العلم والقدرة.

فهذه الأسماء – العالم والقادر والحيّ بلحاظ ما تقدّم - لا تليق بساحة قدسه تعالى. غير أنّا إذا جرّدنا معانيها عن خصوصيات المادة، عاد العلم، وهو الإحاطة بالشيء بحضوره عنده، والقدرة هي المنشئة للشيء بإيجاده، والحياة كون الشيء بحيث يعلم ويقدر. وهذه لا مانع من إطلاقها عليه سبحانه، لأنّها معانٍ كمالية خالية عن جهات النقص والحاجة.

وقد دلّ العقل والنقل أنّ كل صفة كمالية فهي له تعالى، وهو المفيض لها على غيره من غير مثالٍ سابق، فهو تعالى عالم قادر حيّ، لكن لا كعلمنا وقدرتنا وحياتنا، بل بما يليق بساحة قدسه من حقيقة هذه المعاني الكمالية مجرّدةً عن النقائص.

وقد قدِّم الخبر في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى..‏﴾، وهو يفيد الحصر، وجيء بالأسماء محلّى باللام، والجمع المحلّى باللام يفيد العموم، ومقتضى ذلك أنّ كلّ «اسم أحسن» في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، وإنْ كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاني إلى غيره ويسمّيه به؛ كالعلم والحياة والخلق والرحمة. فالمراد بكونها لله كون حقيقتها له وحده لا شريك له.

ليس للأسماء إلا الطريقية المحضة

يقول الله تبارك وتعالى (الإسراء/110): ﴿ قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى..﴾

لفظة ﴿أَو﴾ ليست للتسوية والإباحة، فالمراد بقوله ﴿الله﴾ و ﴿الرّحمن﴾ الاسمان الدالان على المسمّى دون المسمّى (ذاته). والمعنى: ادعوا باسم الله أو باسم الرحمن، فالدعاء دعاؤه.

والآية من غُرر الآيات القرآنية تنير حقيقة ما يراه القرآن الكريم من توحيد الذات وتوحيد العبادة، قبال ما تراه الوثنية من توحيد الذات وتشريك العبادة.

ولذلك لمّا سمع بعض المشركين دعاءه صلّى الله عليه وآله وسلّم في صلاته: «يا اللهُ يا رحمن» قال: انظروا... ينهانا أن نعبد إلهين، وهو يدعو إلهين.

والآية الكريمة تردّ عليهم ذلك وتكشف عن وجه الخطأ في رأيهم بأنّ هذه الأسماء أسماء حُسنى له تعالى؛ فهي مملوكة له محضاً، لا تستقلّ دونه بنَعت ولا تنحاز عنه في ذات أو صفة تملكه وتقوم به، فليس لها إلّا الطريقية المحضة، ويكون دعاؤها دعاءه والتوجه بها توجهاً إليه، وكيف يستقيم أن يحجب الاسم المسمّى وليس إلّا طريقاً دالّاً عليه هادياً إليه، ووجهاً له يتجلّى به لغيره، فدعاء الأسماء الكثيرة لا ينافي توحيد عبادة الذات، كما يمتنع أن تقف العبادة على الاسم ولا تتعدّاه.

قيّوميّة اسم الذات على سائر الأسماء

قوله تعالى (الحشر/22-24): ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

* هذه الآيات الثلاث - وإنْ كانت مسوقةً لتعداد قبيلٍ من أسمائه تعالى الحُسنى، والإشارة إلى تسميته تعالى بكلّ اسمٍ أحسن، وتنزّهه بشهادة ما في السماوات والأرض، لكنّها بانضمامها إلى ما مرّ من الأمر بالذكر (الآية 19) - تفيد أنّ على الذاكرين أن يذكروه بأسمائه الحسنى فيعرفوا أنفسهم بما يقابلها من أسماء النقص، فافهم ذلك.

وبانضمامها إلى الآية السابقة (الآية 21) وما فيها من قوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..﴾ تفيد تعليل خشوع الجبل وتصدّعه من خشية الله، كأنّه قيل: وكيف لا وهو الله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة، إلى آخر الآيات.

* وقوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ..﴾: يفيد الموصول والصلة معنى اسمٍ من أسمائه، وهو وحدانيّته تعالى في ألوهيته ومعبوديته.

* وقوله: ﴿..عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ..﴾: الشهادة هي المشهود الحاضر عند المدرك، والغيب خلافها... فهو تعالى عالم الغيب والشهادة، وغيره لا علم له بالغيب لمحدودية وجوده وعدم إحاطته إلّا بما علّمه تعالى... وأمّا هو تعالى فغَيبٌ على الإطلاق لا سبيلَ إلى الإحاطة به لشيء أصلاً.

* قوله تعالى: ﴿..الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ..﴾:

- «القدّوس»: مبالغة في القُدس وهو النزاهة والطهارة.

- «السلام»: مَن يلاقيك بالسلامة والعافية من غير شرّ وضرّ،.

- «المؤمن»: الذي يعطي الأمن.

- «المهيمن»: الفائق المسيطر على الشيء.

- «العزيز»: الغالب الذي لا يغلبه شيء، أو مَن عنده ما عند غيره مِن غير عكس.

- «الجبّار»: مبالغة من جبر الكسر، أو الذي تنفذ إرادته ويجبِر على ما يشاء.

- «المتكبّر»: الذي تلبّس بالكبرياء وظهر بها.

* قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ..﴾:

- «الخالق»: هو الموجِد للأشياء عن تقدير.

- «البارئ»: المنشئ للأشياء ممتازاً بعضُها من بعض.

«المصوِّر»: المعطي لها صوراً يمتاز بها بعضها من بعض.

والأسماء الثلاثة تتضمّن معنى الإيجاد باعتبارات مختلفة، وبينها ترتّب؛ فالتصوير فرعُ البرء، والبرء فرع الخَلق، وهو ظاهر.

وإنّما صدَّر الآيتين السابقتين بقوله: ﴿..الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ..﴾  فوصف به ‎﴿الله﴾ وعقّبه بالأسماء بخلاف هذه الآية، إذ قال: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ..﴾؛ لأنّ الأسماء الكريمة المذكورة في الآيتين السابقتين، وهي أحد عشر اسماً، من لوازم الربوبية ومالكية التدبير التي تتفرّع عليها الألوهية والمعبودية بالحقّ، وهي على نحو الأصالة والاستقلال لله سبحانه وحده لا شريك له في ذلك، فاتّصافه تعالى وحده بها يستوجب اختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به تعالى.

فالأسماء الكريمة بمنزلة التعليل لاختصاص الألوهية به تعالى، كأنّه قيل: «لا إله إلّا هو لأنّه عالم الغيب والشهادة هو الرّحمن الرّحيم»، ولذا أيضاً ذيّل هذه الأسماء بقوله ثناءً عليه: ﴿..سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ردّاً على القول بالشركاء كما يقوله المشركون.

وأمّا قوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ..﴾: فالمذكور فيه من الأسماء يفيد معنى الخَلق والإيجاد. واختصاص ذلك به تعالى، لا يستوجب اختصاص الألوهية به كما يدلّ عليه أنّ الوثنيين قائلون باختصاص الخَلق والإيجاد به تعالى، وهم مع ذلك يدعون من دونه أرباباً وآلهة ويثبتون له شركاء.

وأمّا وقوع اسم الجلالة في صدر الآيات الثلاث جميعاً فهو علَمٌ للذات المستجمع لجميع صفات الكمال، يرتبط به ويجري عليه جميع الأسماء، وفي التكرار مزيد تأكيد وتثبيت للمطلوب.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد