القرآن يلطّف الروح ويطيّب حال الإنسان ويُذهب الهمّ والغمّ، ويحمل الإنسان إلى محلّ الأمن وأفق الأمان.
يروى في كتاب الكافي بإسناده عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه قال:
قُلتُ: إنَّ قَومًا إذا ذَكَرُوا شَيئًا مِنَ القُرآنِ أو حُدِّثُوا بِهِ، صَعِقَ أحَدُهُم حَتَّى يُرَى أنَّ أحَدَهُم لَو قُطِّعَتْ يَداهُ أو رِجلَاهُ لَم يَشعُر بِذَلِكَ؛ فَقالَ: سُبحانَ اللهِ! ذاكَ مِنَ الشَّيطانِ، ما بِهَذا نُعِتُوا! إنَّما هُوَ اللِينُ والرِّقَّة والدَّمعَة والوَجَلُ.[1]
لم يصفِ اللهُ سبحانه وتعالى القارئين للقرآن بأنّهم يُصعقون أثناء قراءتهم له، وإن حصلت عندهم مثل هذه الحالة فإنّ ذلك يعود إلى قصور ظرفيّتهم وعدم تحمّل أنفسهم.
لقد وصفهم الله سبحانه في القرآن بإفاضتهم للدّمع والخشية من الله ورقّة قلبهم ولطافته، هناك حيث قال: {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَق}[2] وقال في سورة الحجّ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتينَ، الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم}[3] وفي سورة الزمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّه}[4].
يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه في نهج البلاغة أثناء وصفه لأحوال المتّقين: أمّا الليلُ فَصَافُّونَ أقدامَهُم تالِينَ لأجزَآءِ القُرآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أنفُسَهُم ويَستَثِيرُونَ بِهِ دَوَآءَ دَآئِهِم، فَإذا مَرُّوا بِآيَة فيها تَشوِيقٌ، رَكَنُوا إلَيها طَمَعًا، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُم إلَيها شَوقًا، وظَنُّوا أنَّها نُصبُ أعيُنِهِم، وإذا مَرُّوا بِآيَةٍ فيها تَخوِيفٌ أصغَوا إلَيها مَسامِعَ قُلُوبِهِم، وظَنُّوا أنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَها فى أصُولِ آذانِهِم!
فيَصِلُ يقينهم إلى الحدّ الذي يقول فيه:
فَهُم وَالجَنَّة كَمَن قَد رَآهَا فَهُم فِيها مُنَعَّمُونَ، وهُم والنّارُ كَمَن قَد رَآهَا فَهُم فِيها مُعَذَّبونَ.[5]
وجاء في كتاب الكافي عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أباعبدالله عليه السّلام يقول:
إنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم صَلَّى بِالنّاسِ [الصُّبحَ] فَنَظَرَ إلَى شابٍّ في الـمَسجِدِ وهُوَ يَخفِقُ ويَهوِي بِرَأسِهِ، مُصفَرّاً لَونُهُ قَد نَحِفَ جِسمُهُ وغارَت عَيناهُ في رَأسِهِ؛ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: كَيفَ أصبَحتَ يا فُلانُ؟ قالَ: أصبَحتُ يا رَسُولَ اللهِ مُوقِناً! فَعَجِبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله مِن قَولِهِ وقالَ له: إنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَة، فَما حَقِيقَة يَقِينِكَ؟ فَقالَ: إنَّ يَقِينِيَ يا رَسُولَ اللهِ هُوَ الَّذى أحزَنَنِي وأسهَرَ لَيلِيَ وأظمَأ هَواجِرِي، فَعَزَفَتْ[6] نَفسِي عَنِ الدُّنيا وما فيها؛ حَتَّى كَأنِّي أنظُرُ إلَى عَرشِ رَبِّي وقَد نُصِبَ لِلحِسابِ وحُشِرَ الخَلائِقُ لِذَلِكَ وأنا فيهِم، وكَأنِّي أنظُرُ إلَى أهلِ الجَنَّة يَتَنَعَّمُونَ في الجَنَّة ويَتَعارَفُونَ وعَلَى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ، وكَأنِّي أنظُرُ إلَى أهلِ النّارِ وهُم فيها مُعَذَّبُونَ مُصطَرِخُونَ، وكَأنّي الآنَ أسمَعُ زَفِيرَ النّارِ يَدُورُ فى مَسامِعِي.
فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله [لأصحابِهِ]: هَذا عَبدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ بِالإيمانِ. ثُمَّ قالَ لَهُ: الزَم ما أنتَ عَلَيهِ! فَقالَ الشّابُّ: ادعُ اللهَ لِي يا رَسُولَ اللهِ أن أُرزَقَ الشَّهادَة مَعَكَ! فَدَعا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله، فَلَم يَلبَثْ أن خَرَجَ فى بَعضِ غَزَواتِ النَّبِىِّ صلّى الله عليه وآله فَاستُشهِدَ بَعدَ تِسعَة نَفَرٍ وكانَ هُوَ العاشِرَ.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ الكافى، ج 2، ص 611.
[2] ـ سوره المائدة (5) آيه 83.
[3] ـ سورة الحج ,آية 34.
[4] ـ سورة الزمر, آية 23.
[5] ـ نهج البلاغة، شرح عبده، ج 2، ص 161.
[6] ـ عزفت نفسه عن الشيء: زهدت فيه. وعَزَفَ نَفْسَهُ عن كذا: منعها عنه.
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
د. سيد جاسم العلوي
حيدر حب الله
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
مهمة المفكّر المستحيلة.. كيف يهتدي المفكرون إلى سبل النجاة؟
فوائد المشي الياباني
الاتفاق على ثبوت واقعة الغدير بالثبوت التاريخي والمتواتر الصحيح (2)
يوم أعلن النبيّ (ص) ولاية عليّ (ع) (2)
الفيزياء والبنية اللاشعورية في الفكر العلمي (2)
(كيف نفكّر ونتصرّف كما نتصرّف) جديد المترجم عدنان الحاجي
الغدير: وأتممت عليكم نعمتي
مجادلة أهل الكتاب
الفيزياء والبنية اللاشعورية في الفكر العلمي (1)
(الملكوت) في الكتاب والسنّة والعلاقة بينه وبين المصطلح الفلسفي