إنّ القرآن الكريم يصنّف ذرية إبراهيم إلى قسمين :
قسم أُعطي النبوة والرسالة، كأيوب وزكريا ويحيى وعيسى.
وقسم أُعطي بعدهما الملك والحكومة.
وتشير إلى ذلك الآيات التالية :
أ. يقول يوسف بعدما أُعطي القوة والقدرة في حكومته وصار أميناً مكيناً فيها: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) (1)، فجملة ( تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) رمز لجزء من النبوة، والملك إشارة إلى السلطة والقدرة الّتي نالها.
ب. يقول سبحانه في حق داود: ( وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) (2).
ويقول أيضاً: ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ ) (3).
ويحكي سبحانه عن سليمان أنّه قال: ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (4).
فاستجاب الله دعاءه كما تحكي الآية التالية: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (5).
ففي هذه الشخصيات الإلهية اجتمعت المناصب الثلاثة: النبوة، والرسالة، والإمامة. ولكن ربّما تقتضي المصلحة فصل الحكم عن النبوة والرسالة، فيكون المبعوث بالنبوة والرسالة، غير المبعوث للحكم، ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يعرّف طالوت ملكاً على لسان نبي زمانه قال سبحانه: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (6).
ففي هذه الآية والآيات الّتي تليها عدة نكات نشير إليها :
أوّلاً: إنّ المصالح ربّما تقتضي التفكيك بين المنصبين، ولأجل إمكانه ما اعترض بنو إسرائيل باستهجانه بل اعترضوا بأنّهم أحق بالملك منه.
ثانياً: إنّ طالوت صار ملكاً وحاكماً ورئيساً للجيش بأمر من الله سبحانه، قال سبحانه: ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ).
ثالثاً: إنّ وظيفة طالوت لم تتلخص في قيادة الجيش، بل قيادة الجيش كانت جزءاً منها، ولأجل ذلك يقول سبحانه: ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ) ويقول في ذيلها: ( وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ).
رابعاً: إنّ الآية تشير إلى أنّ أعظم المؤهلات في القيادة الإلهية هو استكمال القائد من حيث العلم والجسم، فالإنسان الجاهل بالشؤون الحكومية غير قادر عليها كما أنّ الإنسان الضعيف في القوى الجسمانية لا يقدر أن يقوم بمشاق الأُمور ومصاعبها.
خامساً: إنّه سبحانه عندما يعد نعمه على بني إسرائيل يذكر منها أنّه جعل فيهم أنبياء وملوكاً قال سبحانه: ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) (7)، فالآية تصرّح بأنّهم كانوا ملوكاً، غير أنّ نسبة الملوكية إلى الجميع لأجل أنّ طائفة منهم صاروا ملوكاً بأمر من الله سبحانه.
فحصيلة البحث: إنّ الآيات المتقدمة بأجمعها تعطي النتيجة التالية :
فمن جانب: طلب إبراهيم لذريته العطية الإلهية، أعني: الإمامة، وقد استجاب دعوته في بعضهم.
ومن جانب آخر: إنّ مجموعة من ذريته كيوسف وداود وسليمان حظوا مع النبوة والرسالة، بمنصب الحكومة والقيادة.
ومن جانب ثالث: نرى أنّه سبحانه أعطى آل إبراهيم مع الكتاب والحكمة الملك العظيم.
فبعد ضم هذه الأُمور بعضها إلى بعض نخرج بهذه النتيجة: إنّ ملاك الإمامة في ذرية إبراهيم هو قيادتهم وحكمهم في المجتمع لا غير ; وأمّا ملاكها في نفس إبراهيم، فالآيات وإن كانت غير ناظرة إليها، لكنّها تفضي بوحدة الملاك في الوالد والأولاد، وإنّ ملاك إمامة الخليل أيضاً هي حاكميته وافتراض طاعته، وإلاّ لزم الفصل في ملاك الإمامة بينه وبين ذريته، وهو كما ترى.
هذا ما وصلنا إليه من التدبّر في الآيات، والله العالم بالحقائق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يوسف: 101.
(2) البقرة: 251.
(3) ص: 20.
(4) ص: 35.
(5) ص: 36 ـ 39.
(6) البقرة: 247.
(7) المائدة: 20.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها