قال تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ، فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ، قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) «1».
لا شك أن الذي فعله موسى ذلك الحين وهو الرجل المطالب من قبل السلطات، وكان خطر الموت يرفرف على رأسه كانت مجازفة وتغريرًا بنفسه الكريمة بتسليمها إلى العدو اللّدود.
وهي بادرة غريبة بدرت منه، ولعلها من غير تفكير في عاقبتها، حيث كان (عليه السلام) سريع الغضب في اللّه ومن ثمّ لم يكن ينبغي ذلك منه وهو في طريقه إلى صرح النبوة الشامخ. الأمر الذي نسبه إلى عمل الشيطان نظرًا لأن سورة الغضب هي إحدى حبائل الشيطان يستولي بها على مشاعر الإنسان والحؤول دون رشده.
وهذا ليس من الإغراء الموبق، حيث لم يكن قتل القبطي معصية، ليكون إغراء إبليس بذلك إغراء لموسى إلى معصية اللّه. بل كان إغراء بما يوجب التغرير بنفسه الكريمة وتعريضها للهلاك، فقد هيج إبليس من غضب موسى ليقدم على قتل القبطي، وبالتالي يقع هو في قبضة السلطات فيقتلونه، وبذلك قد نصب إبليس فخًّا للقضاء على موسى (عليه السلام). إذن لم يكن ذلك من الاستيلاء الذي ننكره بشأن عباد اللّه المخلصين.
ووجه آخر لعله أسلم من الأشكال، وهو أن المشار إليه في قوله: «هذا من عمل الشيطان» هو السبب الداعي لوقوع القتل، أي لولا إضلاله للأقباط واستيلاؤه على مشاعر المصريين في تأليههم فرعون والاستسلام لقيادته الفاسدة، لم تتهيأ موجبات هذا القتل وأمثاله مما ابتلى به بنو إسرائيل، وكانت بعثة موسى لاستخلاصهم من نير الذل والهوان.
ويترجح هذا الوجه بملاحظة وضوح المناسبة بينه وبين التعقيب بقوله «إنه عدوّ مضل مبين». أي ظاهر العداوة للانسان. ولا شك أن موسى (عليه السلام) لم يرد إضلال نفسه بل إضلال غيره، ولعلهم هم القبط.
وأمّا قوله: «رب إنّي ظلمت نفسي» فيعنى تلك المخاطرة بها وتغريرها للهلاك على أيدي أعداء اللّه. ولا شك أنها كانت بادرة غريبة منه، لم تكن تنبغي من مثله وهو على مدارج الصعود إلى مرتبة النبوة السامية. الأمر الذي يكون من ترك الأولى بالنسبة إلى مثله، فكان ينبغي الاستغفار منه، ومن ثمّ أجابه تعالى على الفور. حيث كانت تلك البادرة - مهما كانت - فإنها في سبيل الغضب للّه تعالى.
محاجّة موسى مع فرعون
قالَ - فرعون مخاطبًا لموسى (عليه السلام) – (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ - موسى - فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) «2».
ما هذا الكفر الذي ينسبه فرعون إلى موسى؟ وما هذا الضلال الذي يراه موسى لنفسه؟
الجواب: أمّا الكفر فهو كفران النعم التي زعم فرعون أنه أنعمها على موسى وعلى بني إسرائيل. ومن ثمّ رد عليه موسى بقوله: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «3».
وأمّا الضلال فإنما يقصد به حالته قبل نزول الوحي عليه بالنبوة، وهو ضلال نسبي يعم كل نبي قبل أن يوحى إليه، لا يكون عارفًا بتفاصيل الشريعة التي ستنزل عليه، إلّا إذا علّمه اللّه تعالى.
وقد فسروا الضلال هنا بتفاسير أخر، تجدها في مجمع البيان للطبرسي «4» وتنزيه الأنبياء للشريف الرضي «5».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصص: 15 - 16.
(2) الشعراء: 18 - 20.
(3) الشعراء: 22.
(4) مجمع البيان: ج 7 ص 187.
(5) تنزيه الأنبياء: ص 70.
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ باقر القرشي
الشيخ حسين مظاهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب